وصف الاقتصادي السعودي إحسان بوحليقة الوضع في سوق الأسهم السعودية بأنه أصبح «مملاً» في ظل محدودية التداول، وانحصاره على شركات صغيرة وعائلية في قطاعات عالية المخاطر. وأكد في حديث ل«الحياة» تناول عديداً من القضايا، ضرورة بث الحيوية في السوق من خلال طرح أسهم جديدة للشركات الكبرى مثل شركتي الاتصالات السعودية و«سابك»، مشيراً إلى أن هذا الطلب ينسجم وسياسة الخصخصة التي تتبناها المملكة ضمن برنامجها للإصلاح الاقتصادي. وعلى الصعيد الخليجي، قال الدكتور بوحليقة إن دول مجلس التعاون بحاجة إلى وقفة حاسمة بشأن عملتها الموحدة، وذلك في ظل التطورات العالمية، مشيراً إلى ضرورة إعلان البرنامج الزمني لإطلاقها وتحديد مراحلها الأساسية، وإلا فعليها إطلاق رصاصة الرحمة عليها، لتعود هذه الدول اقتصادات منفردة. وهنا نص الحوار: كيف تنظر إلى أوضاع سوق الأسهم السعودية حيث يتأرجح مؤشر السوق صعوداً وهبوطاً في نطاق ضيق للغاية؟ - سوق الأسهم السعودية كبرى الأسواق العربية، لكنها تعاني منذ 2006، وعلى رغم أن لا أحد تصور أن تزول تداعيات ما حدث آنذاك خلال عام أو عامين لأنها كانت هزة كبيرة، إلا أنه لا يمكن تبرير تحرك المؤشر في نطاق ضيق، وعلى ذلك يمكننا القول إن ما يحدث حالياً في سوق الأسهم سببه افتقار السوق إلى المحفزات الكفيلة بجذب النشاط مجدداً، ولاسيما أن الإصدارات التي شهدتها السوق «هامشية»، وتتمحور في قطاعات عالية المخاطر مثل قطاع المقاولات الذي يعتمد على عقود العمل، ويبقى عرضة للنزاعات في التنفيذ. في نظري، السوق بحاجة حقيقية إلى أطروحات كبيرة ومحدودة المخاطر، لأنني لا أفهم حتى هذه اللحظة، لماذا لا تطرح نسب إضافية من شركة الاتصالات السعودية أو شركة «سابك» مثلاً في السوق للاكتتاب من خلال آلية معينة الهدف منها إشراك المواطن السعودي ثانية في السوق ومنحه الفرصة لتحقيق مكاسب. هذا التصور ينسجم كذلك مع سياسة الخصخصة التي كنا نعتقد لفترة طويلة بأنها قائمة ومستمرة ولا تقوم على شرط إيرادات نفطية منخفضةً. بصراحة الوضع في سوق الأسهم السعودية أصبح «مملاً» في ظل محدودية التداول، وانحصاره على شركات صغيرة وعائلية في قطاعات عالية المخاطر. ماذا تعني بهذا الوصف؟ وما أوجه هذا الملل؟ - أول ملامح هذا الملل، محدودية التداول من حيث الحجم، إذ يقدر في حدود بليوني ريال يومياً، بل هبط حجم التداول إلى أقل من بليون ريال يومياً في شهر رمضان الماضي. والسوق كما ذكرت تفتقر للأطروحات الكبيرة حيث التداول يتم على شركات صغيرة وعائلية وفي قطاعات عالية المخاطر مثل المقاولات وقطاع التأمين الذي يعاني من خسائر لأنه في بدايته وشركاته مازالت تسعى لإيجاد سوق فيها. وهناك من كابد في السوق نتيجة لانهيارها عام 2006 بعد ارتفاعات كبيرة، ونتيجة لتلك التجربة المرة ابتعد عن السوق. المطلوب الآن هو إعادة الحيوية للسوق مع الاستفادة من تجارب الماضي لماذا؟ لأن الاقتصاد السعودي بحاجة إلى سوق نشطة وحيوية، وهي التي ستمد القطاع الخاص وأصحاب المشاريع برأس المال وعليه المعول في نجاح مبادرة مهمة وأساسية كالرهن العقاري فأين سيكون تسنيدها؟ الأولوية للجهات المسؤولة يجب أن تكون إعادة الحيوية للسوق، لكن هذا لن يتأتى بأطروحات خاصة وصغيرة، وإنما من خلال طرح شركات قائمة وكبيرة تملكها الحكومة، وتطرح للمواطنين والراغبين في الاستثمار عبر تقييمات مشجعة على أن يحقق مكاسب أعلى من يحتفظ بالأسهم لسنوات عدة. لماذا بالذات طرح مزيد من أسهم الشركات الكبرى؟ - الهدف من ذلك تشجيع المواطنين على الادخار وليس المضاربة، وذلك على طريقة بريتش تيليكوم التي أعتبرها مثالاً لتجربة طرح شركات قائمة تمتلك فيها الحكومة حصصاً كبيرة. والتشجيع الذي نقترحه يرتبط بتقديم حوافز تشجع على الاحتفاظ بالأسهم لمدة ثلاث سنوات (مقابل أولوية الحصول على حصص إضافية مثلاً عند طرح نسب إضافية من أسهم الشركة)، وهذه الطريقة تشجع على الاستثمار وليس المضاربة، الأمر الذي ينسجم مع ضرورة تحفيز المواطنين على الادخار. حقيقة نحن نتساءل: ما الهدف أو الرؤية من استمرار السياسة الحالية في سوق الأسهم السعودية، هل يراد للسوق مثلاً الاستمرار وجزء من أكبر وأنجح الشركات في السوق لا تزال خارج التداول وخارج لعب دورها؟ على الصعيد العالمي، شهدت أسواق النقد خلال العام2010 تأرجحات حادة، فيما وصفها البعض بحرب كونية يشهدها العالم، ما تعليقكم؟ وما تأثيرات ذلك في الأوضاع المحلية والخليجية؟ - ما يقال عن حرب عملات يشهدها العالم ليس صحيحاً وهو وصف أطلقه للمرة الأولى وزير المالية البرازيلي، لكن يبدو أن الصحافة ارتاحت للتعبير الذي أطلقه خوفاً على مصالح بلاده وتأثير ذلك في بعض الدول النامية، خصوصاً ذات الاقتصادات الكبيرة مثل البرازيل. ما حدث ويحدث قد يكون أقرب ما يكون إلى عدم ارتياح القوى التقليدية الاقتصادية والمؤثرة في أسواق العملات بقدوم لاعب ضخم وشديد التأثير في السوق بحجم الصين وهذا يسبب لهم مخاوف. دخول الصين القوي أربك حسابات الدول التي ظلت ممسكة طويلاً بخيوط اللعبة، إذ ظلت هذه الدول تصدر العملات مثل الدولار، واليورو، والين، من خلال مواءمة وآليات واختلافات هامشية استطاعت أن تصل عبرها إلى استقرار ودفاع عن عملاتها، لكن الصين القادم الجديد لا تريد أن تعترف بهذه اللعبة وقواعدها المألوفة، وقدومها حرك مياهاً كانت راكدة، وربما أدى إلى موجة من التأرجحات الحادة في أسواق تبادل العملات في العالم. إضافة إلى ذلك عامل الأزمة العالمية وتزعزع الثقة بالدولار باعتباره تلقى صدمة قوية وهزة عنيفة نتيجة لتداعيات الأزمة العالمية، ولذلك نلاحظ أن دولاً كثيرة لا تشعر بالارتياح تجاه الصين وهناك من يريد أن يقول إن ما يحدث هو حرب عملات، ومن يريد القول إن الصين تريد بطريقة غير واقعية خفض عملتها حتى تكسب صادراتها ميزة نسبية أفضل على غيرها. ولماذا كل هذا الخوف والحذر من الصين من هذه الدول؟ - يعود ذلك إلى الاحتياطات الهائلة من العملات الأجنبية التي تملكها الصين، والتي بلغت بنهاية الربع الثالث من العام الماضي 2.6 تريليون دولار، وهذا الاحتياط في ارتفاع مستمر ومرشح للتصاعد، وأكثر من نصفها بالدولار الأميركي. هكذا نجد الصين وهي أكبر دولة في العالم لديها احتياط من العملات الأجنبية، وقد بدأت الدخول في مجالات أخرى لم تعرف بها من قبل، مجالات تثير القلق لدى القوى الاقتصادية العظمى التقليدية في العالم. فمثلاً نجدها على رغم علاقاتها الجافة مع اليابان بدأت منذ فترة قصيرة في شراء سندات يابانية، ونتيجة لدخول الصين في السوق اليابانية ارتفعت قيمة الين 15 في المئة في أشهر قليلة، وهذا ليس في مصلحة الصادرات اليابانية وعلى العكس تماماً، ما تخطط له اليابان. الأمر الثاني المحير، أنه ليس في وسع أحد أن يفعل شيئاً تجاه هذه الظاهرة الصينية، حتى الولاياتالمتحدة تقف مكتوفة الأيدي وغير قادرة على فعل شيء، لأن الصين أهم وأكبر مستثمر في السندات الأميركية، وينطبق القول على الأوروبيين واليابان. لذلك أقول ليست هناك حرب عملات و«لا يحزنون» وهذا تعبير مبهم، ولكنه في الحقيقة تعبير يتعلق بالصين ويبحث عن الدور الذي تطمح إليه الصين للعبه في سوق العملات العالمية. كل دولة تعتقد أن الصين يمكن أن تتصرف بطريقة ضارة لها، وتتخوف أن تؤثر تصرفات الصين في عدم استقرار عملتها، وكما نعلم فقد دأبت البنوك المركزية في الدول المتقدمة أن تكون قادرة على السيطرة على استقرار عملاتها، وهذا لم يعد متحققاً الآن بعد دخول الصين حلبة المنافسة، فاليابان على سبيل المثال لم تعد كل الأوراق في يدها، إذ ارتفعت عملتها كما ذكرنا 15 في المئة خلال أشهر قليلة في ظل أوضاع للتجارة الدولية لا ترحب بارتفاع العملات، وذلك على عكس رغبتها، لكن بسبب تدخل الصين لشراء سندات حكومية يابانية. وملاحظة أخيرة، أن كل الدول ترحب بالمستثمر الأجنبي لكن هذا لا يحدث لدى بعض الدول، فعندما تذهب الصين حيث تشعر بالخوف والهلع من ارتفاع عملتها بسبب الصين التي تنتهج الآن سياسة تنويع احتياطها من العملات الأجنبية، من الدولار إلى اليورو والين، فضلاً عن العملات الأصغر، إذ زادت استثماراتها في كوريا الجنوبية على سبيل المثال. حتى دول مجلس التعاون التي تبحث عن مزيد من الاستثمارات الأجنبية؟ - بالنسبة لدول مجلس التعاون، وجود وتنامي قوة الصين إيجابي على جميع المستويات، وهي لا تنافس دول الخليج، الصين بلدوزر اقتصادي قادم وطوال الوقت كان لدينا في السعودية اهتمام لتنمية التعاون الاقتصادي. والصين بدورها مهتمة استراتيجياً بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هناك تساؤل يتعلق بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. كيف يمكنها التعامل مع الأزمات والتطورات المتلاحقة على صعيد الاقتصاد العالمي ومن بينها ضعف للعملات، هل حان الوقت مثلاً لإعادة صياغة سياسات نقدية جديدة عنوانها فك ارتباط عملاتها بالدولار الأميركي؟ - فك ارتباط العملات الوطنية الخليجية بالدولار في الوقت الراهن لن يجدي ولن يحقق أي فائدة تذكر لهذه الدول، وذلك بسبب غياب البديل المناسب، وبما أن هذه الدول قررت منذ مدة، إدارة عملاتها من خلال التكتل الاقتصادي، فإن الأفضل أن تكون لديها سياسات نقدية تستطيع من خلالها إدارة احتياطاتها من العملات الأجنبية وبطريقة متسقة ومتناغمة عن طريق الاتحاد النقدي الخليجي. هذا هو المخرج الوحيد والطبيعي وفيما عدا ذلك سيكون كل شيء على حساب تأسيس مجلس التعاون الخليجي. وحقيقة دول مجلس التعاون بتأخيرها إصدار عملتها الموحدة أو عدم حماستها الواضحة يجعلها في لحظات مصيرية كهذه التي يشهدها العالم محدودة الخيارات، بل إن الخيار الوحيد أمامها هو التنوع في احتياطاتها من العملات الأجنبية، وهذا قد يكون أفضل وسيلة للتحوط، ولذلك كان التحرك الذي نشهده نحو اليورو. إن تعويم العملات على سبيل المثال بعيد عن التصور حالياً، وكذلك خيار ربطها بعملة أخرى غير الدولار أو سلة من العملات، وبالتالي فإن الوقت يضيق ولا خيار أمام دول مجلس التعاون سوى الاستمرار بجد واجتهاد وبقدر أكبر من الحماسة لتحقيق السوق الخليجية المشتركة والسعي لإصدار عملتها الموحدة أو أقله الإعلان عن برنامج زمني لإطلاق العملة الخليجية. ما الذي - في نظركم - يتوجب فعله من دول مجلس التعاون في هذه الظروف المضطربة في أسواق النقد؟ - الأوضاع العالمية الحالية تحتم على هذه الدول اتخاذ جملة من الخطوات أهمها: وقفة حاسمة بشأن عملتها الموحدة، وذلك بإعلان البرنامج الزمني لإطلاقها حتى لو كان مداها سنوات عدة، وأن يتم تحديد المراحل الأساسية وصولاً للعملة الموحدة، وإلا فعليها إطلاق رصاصة الرحمة على العملة الموحدة بمعنى تعطيله أو تأجيله إلى وقت لاحق، لتعود هذه الدول اقتصادات منفردة، وسيكون على كل دولة عندئذ أن تجد لنفسها طريقة للتعامل مع إدارة احتياطاتها من العملات الأجنبية. إن أنسب رد خليجي لما يحدث في العالم هو الرد على الملف الاقتصادي الذي سيبقى جامداً ومعه كثير من الملفات المهمة، ليست فقط لجهة السياسة النقدية وإنما كاقتصادات خليجية متكاتفة ومتكاملة. لقد شاهدنا تعامل دول التعاون مع الأزمة المالية العالمية من خلال زيادة الإنفاق الحكومي زيادات متتابعة للتخفيف من آثارها، لكن يجب تجاوز ذلك وصولاً إلى سياسات تنعش القطاع الخاص بمختلف أنشطته، خصوصاً بعد أن لاحظنا ما يشبه الطفرة في أنشطة القطاع الخاص المرتبطة بتقديم خدمات للحكومة بعكس أنشطة أخرى تعاني، لذلك عليها تقديم حلول اقتصادية متكاملة.