اللافت في المسلسلات التلفزيونية التي عرضت طوال هذا الموسم أنّها خلت من أسماء مؤلفين ومخرجين كبار، كانت أعمالهم حتى وقت قريب بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة إلى شركات الإنتاج والقنوات الفضائية. وعلى رغم الكمّ الكبير من المسلسلات المصرية التي عرضت في رمضان (أكثر من 35 مسلسلاً)، انحصر حضور هؤلاء الكبار في ثلاثة أعمال فقط. قدّم المخرج أحمد صقر مسلسل «قصر العشاق» لبوسي وعزت العلايلي وفاروق الفيشاوي وسهير رمزي، لكنّ العمل بدا أقلّ من مستوى أعماله السابقة مثل «هوانم غاردن سيتي» و «حديث الصباح والمساء» و «الطارق» و «أوبرا عايدة»، فلم يحقق العمل النجاح المأمول الذي كان يطمح صقر إلى تحقيقه عقب عودته إلى الإخراج بعد غياب. أخرج مجدي أحمد علي، المحسوب على السينما، مسلسل «وضع أمني» لعمرو سعد الذي تعاون معه سابقاً في مسلسل «مملكة الجبل» وفيلم «مولانا». وحضر المؤلف وحيد حامد من خلال الجزء الثاني من «الجماعة» لصابرين وعبدالعزيز مخيون وياسر المصري ومحمد فهيم. وفي مقابل هذا الحضور الضعيف غابت تماماً أعمال مؤلفين بحجم محمد جلال عبدالقوي، صاحب الرصيد الأوفر في الدراما الرمضانية التي تنوعت بين الاجتماعية والعاطفية والتاريخية والصعيدية لأكثر من 25 عاماً، ومنها «غوايش» و«أولاد آدم» و«الرجل والحصان» و«أديب» و«موسى بن نصير» و«المال والبنون» و«نصف ربيع الآخر» و«حياة الجوهري» و«حضرة المتهم أبي» و«الليل وآخره» و«سوق العصر» و«قصة الأمس» وغيرها. وغابت مسلسلات محفوظ عبدالرحمن صاحب الأعمال الرمضانية الناجحة، ومنها «ساعة ولد الهدى» و«ليلة سقوط غرناطة» و«بوابة الحلواني» و«أم كلثوم» و«أهل الهوى». وانطبق الأمر نفسه على يسري الجندي صاحب مسلسلات «علي الزيبق» و«الطارق» و«رابعة تعود» و«شارع المواردي» و«جحا المصري» و«السيرة الهلالية» و«التوأم» و«جمهورية زفتى». كذلك غابت مسلسلات كرم النجار ونادر خليفة ومجدي صابر ومحمد عزيز. إضافة إلى غياب أسماء رحلت عن عالمنا مثل أسامة أنور عكاشة ومحمد صفاء عامر. ولاحظنا أيضاً غياب كبار المخرجين من أمثال محمد فاضل الذي كان اسمه بمثابة ضمانة جودة لتسويق المسلسلات التي يخرجها، وهو صاحب «سكة الهلالي» و«لدواعي أمنية» و«للعدالة وجوه كثيرة» و«أبو العلا البشري» و«الشارع الجديد» و«النوة» و«الراية البيضا» و«أحلام الفتى الطائر» و«عصفور النار» و«صيام صيام» و«أبنائي الأعزاء شكراً». تكرّر هذا الغياب مع إنعام محمد علي صاحبة روائع درامية كثيرة مثل «هي والمستحيل» و«ضمير أبلة حكمت» و«أم كلثوم» و«قاسم أمين» و«قصة الأمس»، وأيضاً مجدي أبو عميرة صاحب مسلسلات «المال والبنون» و«ذئاب الجبل» و«الضوء الشارد» و «حلم الجنوبي» و«يتربى في عزو» و«الحقيقة والسراب» و«السيرة الهلالية» و«الرجل الآخر» وغيرها. وعلى رغم وجود أعمال جاهزة للتنفيذ لدى هؤلاء الكبار الذين سعوا إلى تقديمها طوال الفترة الماضية، ظلّت أبواب جهات الإنتاج الخاصة موصدة في وجههم لاعتبارات كثيرة، منها أنّ هؤلاء المؤلفين معروف عنهم التزامهم بالنصوص التي يكتبونها، ولا يسمحون لأحد بالتدخل فيها، سواء بالحذف أو الإضافة أو التعديل، وهم يرفضون أيضاً تفصيل قصص أو أحداث يطلبها النجوم أو المنتجون. ويأتي التصاقهم بأعمالهم في مقابل مرونة كبيرة يُبديها المؤلفون الشباب أو أصحاب ورش السيناريو التي انتشرت في صورة كبيرة خلال الآونة الأخيرة. أضف إلى ذلك الأجور العالية التي يطلبها كبار المؤلفين، والتي يراها المنتجون مبالغاً فيها مقارنةً بأجور الشباب. وفي سياق آخر، ثمة يقين راسخ لدى المنتجين بأن هؤلاء المؤلفين باتت مواضيعهم تقليدية ونمطية، ولا تتناسب مع ما تطلبه الفضائيات ويُقبل عليه الجمهور، من قضايا تركز أحداثها على العنف والإثارة والتشويق والبلطجة والمخدرات وقضايا السوشيل ميديا وغيرها. وينطبق الأمر ذاته على كبار المخرجين الذين اعتادوا إنجاز معدلات تصوير يومية يراها المنتجون قليلة جداً وذات كلفة إنتاجية عالية، خصوصاً أن هؤلاء يصرّون على التصوير في الأماكن الموجودة في السيناريو الأصلي، وهو ما اعتادوا عليه في معظم أعمالهم السابقة التي كانت تتولى إنتاجها جهات إنتاج حكومية، ممثلة في قطاع الإنتاج ومدينة الإنتاج الإعلامي وشركة صوت القاهرة، وهي جهات توقفت تماماً عن الإنتاج. هذا بالإضافة إلى وجود فجوة كبيرة بينهم وبين المخرجين الشباب الذين درسوا السينما واهتموا بها وطبّقوا تقنياتها الجديدة في مسلسلاتهم، وهو ما يتضح في التجديد الذي أحدثوه في طريقة استخدام الإضاءة وزوايا التصوير والصوت والغرافيك والأكسسوارات والملابس وغيرها. وفي وقتٍ يراهن الكبار على تاريخهم العريض في الدراما التلفزيونية، وعلى أن الجمهور الحقيقي سيملّ بعد فترة قصيرة من مسلسلات العنف والدماء، وسيتجدد الطلب على أعمالهم التي ظلّت حبيسة الأدراج، وهم يعتبرونها بمثابة قوة ناعمة مهمة ومطلوبة في الآونة الحالية، يؤكد الواقع أن ظروف السوق لا تعترف بالعواطف والأماني، وأن الرهان فقط ينحصر في اللعب على المضمون، وهو ما يجده المنتجون والنجوم الجدد حالياً مع شباب المؤلفين والمخرجين.