ظلت مسلسلات كبار مؤلفي ومخرجي الدراما المصرية طوال الأعوام الماضية بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً سواء كانت من تمثيل كبار النجوم الذي دعموا من خلال أدوارهم وشخصياتهم في أحداثها مواقعهم في قلوب الجمهور، أو من وجوه الشابة قفزت للسبب ذاته إلى الصفوف الأمامية، أو بفضل جهات الإنتاج الحكومية أو الخاصة التي كانت تقبل على أعمالهم لا لوجود أسماء النجوم عليها، ولكن لسهولة تسويقها إلى الفضائيات العربية لمجرد وجود اسم واحد من أمثال الراحلين أسامة أنور عكاشة ومحسن زايد، أو الموجودين حالياً ومنهم محفوظ عبدالرحمن ووحيد حامد ويسري الجندي ومحمد جلال عبدالقوي وكرم النجار ومحمد صفاء عامر على صعيد التأليف وإسماعيل عبدالحافظ ومحمد فاضل على صعيد الإخراج... لا سيما حين انضم إليهم كبار مخرجي السينما الذين اتجهوا إلى الدراما ومنهم نادر جلال وسمير سيف وخيري بشارة ومجدي أحمد علي. اعتراضات! لكن الوضع تبدّل تماماً خلال العامين الماضيين، وأفرزت الدراما أسماء جديدة في مجالي التأليف والإخراج، وأصبح النجوم الذين كانوا يشترطون التعاون مع الكبار يجدون ضالتهم في الشباب، وباتت جهات الإنتاج لا ترى ضرورة لأعمالهم بدعوى أنهم كمؤلفين يبالغون في أجورهم ويقدمون أعمالاً لا تتواكب ومتغيرات الفترة الحالية، وتبتعد عن روح الشباب ومشاكله وقضاياه، ويفتقدون كمخرجين إلى التقنيات الحديثة والتي تتمثل في عناصر التكنيك والخدع والتصوير بكاميرا واحدة. أما الحجة الأكثر حضوراً فهي أنهم لا يرضخون لشروط المنتجين الذين باتوا يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة أثناء تصوير مسلسلاتهم، ويدفعون المخرجين دفعاً إلى تنفيذ معدلات تصوير مرتفعة يومياً، وفي أماكن يرونها هم وحدهم الأنسب للتصوير بدعوى تقليل النفقات إلى أقصى درجة ممكنة. فمؤلف بقامة محفوظ عبدالرحمن الذي أثرى الشاشة العربية بالكثير من المسلسلات الناجحة ومنها «سليمان الحلبي» و «عنترة» و «ساعة ولد الهدي» و «ليلة سقوط غرناطة» و «بوابة الحلواني»، لم ينفذ له أي عمل منذ قدّم مسلسل «أم كلثوم» لصابرين، والذي فتح بنجاحه الباب على مصراعيه لتقديم عشرات من مسلسلات السير الذاتية، على رغم وجود أكثر من مشروع لديه وفي مقدمها «أهل الهوى» الذي يتناول قصة حياة الشاعر بيرم التونسي، والذي تأجل تصويره طوال الأعوام الماضية لعدم وجود جهة إنتاج تتحمس له، ودخل نفقاً مظلماً مجدداً على رغم وضعه في خطة قطاع الإنتاج العام الماضي وقيام مخرجه إسماعيل عبدالحافظ بإجراء بروفات طاولة عليه مع أبطاله. البقية تتبع وتكرر الأمر ذاته مع مسلسل «همس الجذور» للمؤلف يسري الجندي والمخرج إسماعيل عبدالحافظ، والذي يؤرخ في أكثر من جزء للمئة عام الأخيرة في حياة الشعب المصري، حيث هربت من تنفيذه أكثر من جهة إنتاج كانت في الماضي قدمت من إنجازات الاثنين معاً مسلسلي «جمهورية زفتي» و «سامحوني مكانش قصدي»، وللجندي مسلسلات «السيرة الهلالية» و «جحا المصري» و «التوأم» و «مصر الجديدة» و «الطارق» وغيرها، ولعبدالحافظ «ليالي الحلمية» و «الوسية» و «امرأة من زمن الحب» و «المصراوية» و «الأصدقاء» و «حدائق الشيطان»، مع العلم أن مسلسل «شجرة الدر» للجندي يواجه مصيراً مجهولاً بعد تعثر إنتاجه في قطاع الإنتاج. ولا يزال مسلسل «هز الهلال يا سيد» للمؤلف محمد جلال عبدالقوي وبطولة ممدوح عبدالعليم ونرمين الفقي يبحث عن طوق نجاة لاستكمال تصويره بعد توقفه لتعثر جهة إنتاجه منذ عامين، ابتعد خلالها عبدالقوي عن الشاشة بعدما ظل حاضراً في الكثير من المسلسلات الناجحة ومنها «أديب» و «الرجل والحصان» و «غوايش» و «أولاد آدم»، و «المال والبنون» و «حياة الجوهري»، و «نصف ربيع الآخر» و «الليل وآخره» وسكة الهلالي» و «سوق العصر» و «حضرة المتهم أبي»، ولديه الكثير من المشاريع التي انتهى من كتابتها، وهي حبيسة أدراج بعض المنتجين ومنها مسلسلي «ليلة الرؤية» و «حكاية ليل». واقتصر تعاون المخرج محمد فاضل في الأعوام الأخيرة على جهات الإنتاج الحكومية التي تراجعت كثيراً، بعدما كان الجميع يسعى إلى التعاون معه باعتبار أنه يعد من رواد الإخراج التلفزيوني وهو ما تجلى في عشرات المسلسلات التي قدمها ومنها «القاهرة والناس» و «بابا عبده» و «رحلة أبو العلا البشري» و «النوة» و «الراية البيضا» و «وقال البحر» و «للعدالة وجوه كثيرة» وغيرها.