لاحظ عدد من السياسيين اللبنانيين ممن واكبوا أجواء اللقاء التشاوري الذي استضافه رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، واقتصر الحضور فيه على الكتل النيابية المشاركة في حكومة «استعادة الثقة»، أن المشاورات أغفلت أي إشارة إلى الوضع الإقليمي لدى مقاربة المجتمعين تفعيل العمل الحكومي ورفع منسوب الإنتاجية للتعويض عن الأشهر التي انقضت من العهد الجديد، وكادت تقتصر على انشغاله بوضع قانون انتخاب جديد وسط تجاذبات وسجالات سياسية وإعلامية. وسأل هؤلاء عن الأسباب الكامنة وراء تحييد المداولات التي جرت بين أركان اللقاء التشاوري عن الشأن الإقليمي مع أنه كان هناك ضرورة للتداول بالتطورات الجارية في المنطقة لبلورة حد أدنى من الرؤية السياسية التي لا بد منها لرسم الخطوط العريضة لآفاق المرحلة المقبلة. ومع أن الجواب على هذا السؤال بقي معلقاً فإن المداولات قاربت الشأن الإقليمي من زاوية يتيمة تطرق إليها رئيس الحزب «السوري القومي الاجتماعي» الوزير علي قانصو في دعوته إلى التواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية، باعتبار أن هناك حاجة ملحة له تتعلق بالتنسيق بين البلدين لتأمين عودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في سورية. لكن لم يؤخذ بوجهة نظر الوزير قانصو ولقيت معارضة من رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والوزير مروان حمادة بالنيابة عن رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط، من دون أن يلحظ المشاركون في اللقاء أي تدخل من ممثلي «قوى 8 آذار» يشكل دعماً لموقف حليفهم. وعلمت «الحياة» أن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب محمد رعد لم يعلق على دعوة حليفه الوزير قانصو، وأن تدخل رئيس الجمهورية بقوله إن مناقشة هذا الموضوع ليس وقتها الآن، أدى إلى إقفال النقاش من دون التوصل إلى موقف من المشاركين في اللقاء. الموقف الإقليمي بلسان نصرالله إلا أن تغييب الشأن الإقليمي عن جدول أعمال اللقاء التشاوري لم ينسحب، كما يقول الذين واكبوا الأجواء التي سادته، على الموقف الذي أعلنه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله لمناسبة يوم القدس العالمي ما يعني أن الحكومة العتيدة ما زالت في مرحلة ربط نزاع بسبب التباين في الموقف من الحرب الدائرة في سورية وسلاح «حزب الله» في الداخل ومشاركته في الحرب إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد. ناهيك عن أن ربط النزاع بين القوى المشاركة في الحكومة بات يضغط -وفق هؤلاء- في اتجاه التقليل من التفات مجلس الوزراء إلى الشأن الإقليمي الذي يبحث في الاجتماعات التي تعقد بين أركان الدولة، لئلا ينعكس التداول فيها في الجلسات الحكومية على التضامن الوزاري، على رغم هشاشته في غالب الأحيان. ورشة القانون وإذا كان يسجل للحكومة والبرلمان في آن الإنجاز الذي تحقق في التوافق على قانون انتخاب جديد، فإن تسويقه في حاجة إلى إطلاق ورشة عمل على المستويين الرسمي والشعبي ليكون في وسع الناخبين «هضم» بعض بنوده المعقدة، التي يمكن أن تخضع لاحقاً لأكثر من تفسير، إضافة إلى أن البعض، وعلى رأسهم «التيار الوطني الحر» برئاسة رئيسه الوزير جبران باسيل بدأ يعد العدة لخوض معركة يتطلع من خلالها إلى إدخال تعديلات على القانون بذريعة أن لديه الوقت الكافي للأخذ بها طالما أن الانتخابات النيابية ستجرى في أيار (مايو) 2018. لذلك، فإن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها لا يستدعي فقط التفاهم على قانون انتخاب جديد بمقدار ما أن هذا الاستحقاق في حاجة إلى تهيئة المناخ السياسي والأمني في ظل استمرار تفلت السلاح في عدد من المناطق البقاعية. الألغاز في قانون الانتخاب وفي هذا السياق، يعترف عدد من النواب والوزراء في مجالسهم الضيقة، بأن هناك ضرورة لحل الألغاز والعقد التي يتضمنها قانون الانتخاب الجديد، والتي يمكن أن تتحول ألغاماً ما لم يصر إلى التوافق على تفسير موحد لها، وإلا لماذا بادر عدد من الذين يدّعون أبوتهم للقانون، باعتبار أنهم من واضعيه، إلى الاستعانة بعدد من الخبراء في المجال الانتخابي ليوضحوا لهم ما فيه من غموض، على رغم أنهم يتبارون في الإشادة به في العلن. ويسأل هؤلاء الوزراء والنواب ما إذا كان الهدف من إقحام القانون في تفسيرات متباينة تبرير إجراء الانتخابات في أيار المقبل، مع أن وجهة النظر هذه لا تلغي الحاجة إلى فترة سماح طويلة لإعداد الجسم الإداري المكلف الإشراف عليها من ناحية، والناخبين للتأقلم مع بعض ما ورد فيه أثناء تأديتهم واجبهم في الاقتراع للمرشحين على اللوائح المغلقة من ناحية ثانية؟ كما أن الاستحقاق الانتخابي من وجهة نظر هؤلاء لن يكون معزولاً بمفاعيله السياسية عن التطورات الأمنية والعسكرية والسياسية المتسارعة في المنطقة والتي يمكن أن تؤثر على خريطة التحالفات الانتخابية، وإن كان البعض يرى أن الالتزام بربط النزاع يمكن أن يبرر تحالفات تفتقر إلى برنامج سياسي على قاعدة أن هناك ضرورة لتوفير الحد الأدنى من الانسجام السياسي. وبكلام آخر، يعتقد عدد من الوزراء والنواب أنه لا بد من نسج التحالفات الانتخابية من منظار التحولات الإقليمية في المنطقة، خصوصاً أنها قد تحمل متغيرات سيكون لها حضورها في التحالفات، لا سيما أن الوقت الذي يفصلنا عن موعد إجراء الانتخابات يكفي لرصد ما ستحمله من تقلبات أمنية وسياسية. وعليه، فإن الهدف الوحيد الذي يمكن الركون إليه في تفسير الأسباب الموجبة للقاء التشاوري في بعبدا، يكمن في ترحيل موعد بدء المعركة الانتخابية والإعداد لها إلى موعد لاحق، على أن يصار إلى تفعيل الإنتاج الحكومي بالتعاون مع البرلمان لئلا يلجأ البعض منذ الآن إلى التعامل مع حكومة «استعادة الثقة» على أنها أصبحت حكومة تصريف أعمال منذ الآن إلى أن يحين موعد الاستحقاق الانتخابي، على أن يكون دورها محصوراً في التحضير له والإشراف على إتمامه. اللقاء التشاوري الحاجة إلى اللقاء التشاوري -وفق المصادر- متعددة الأهداف، تبدأ في أن عهد الرئيس عون في حاجة إلى إعادة الاعتبار لخطاب القسم الذي ألقاه أمام البرلمان فور انتخابه رئيساً للجمهورية، في ضوء شعور المحيطين به بأن الموجة الشعبية والسياسية التي رافقت انتخابه في حاجة إلى رافعة لوقف استنزافه من جهة، والتصدي لمن يحاول أن يصرف من رصيده من جهة ثانية، خصوصاً أن ما تعهد به لم يترجم خطوات عملية. كما أن الحكومة وهي تستعد لإجراء الانتخابات في حاجة إلى تعويمها في اتجاه تفعيلها، ليكون في وسعها الشروع بتنفيذ ما تعهدت به، لا سيما تلك الوعود المتعلقة بالشأنين الاجتماعي والاقتصادي للبنانيين، لئلا يدهمها الوقت وتتحول منذ الآن حكومة تصريف أعمال، وهذا ما يعكسه رئيس الحكومة في مواقفه، وتحديداً في رعايته الاجتماعات الوزارية التي تعتبر أن الأولوية تبقى الاهتمام بالأمور الحياتية والتجاوب مع شكاوى المواطنين في موازاة إصراره على تحريك عجلة تنفيذ المشاريع الإنمائية والاقتصادية. وفي المقابل، يبقى للبرلمان دور في التعاون مع الحكومة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام وإخراج موازنة العام الحالي من المراوحة والتجاذبات، لأن القصور في إقرارها لا يلقى ارتياحاً لدى المجتمع الدولي باعتبار أنها تشكل نقطة ضعف ليست في خانة الحكومة فحسب وإنما تهدد ثقته بالبلد ككل. هل من عقبات تؤخر التشكيلات؟ وفي سياق تقويم ما تضمنه البيان الختامي الصادر عن اللقاء التشاوري، لا بد من السؤال عن مصير التشكيلات القضائية والديبلوماسية التي ما زالت عالقة ولم تفلح الاتصالات في الإفراج عنها. وتردد أن مسودة أولى للتشكيلات القضائية كان وضعها وزير العدل سليم جريصاتي بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى قوبلت بتحفظ من قبل أكثر من طرف سياسي، ما فتح الباب أمام ضرورة الأخذ بملاحظات المتحفظين عليها، خصوصاً أن الخلاف ليس محصوراً في إعادة توزيع النيابات العامة على الطوائف فحسب، وإنما يراد منها إجراء مناقلات تتناول بعض المراكز القضائية. كما أن التشكيلات والمناقلات الديبلوماسية التي أشرف على إعدادها وزير الخارجية جبران باسيل قوبلت بتحفظ وصل إلى حدود الرفض، والسبب يعود إلى أنه يرغب في تغيير التوزيع الطائفي المعمول به والمتعلق بسفراء لبنان لدى الدول الكبرى وبعض الدول العربية والأوروبية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تردد أن باسيل يميل إلى تعيين سفير جديد للبنان لدى الولاياتالمتحدة الأميركية من خارج الملاك، ينتمي إلى الطائفة المارونية، مع أن هذا المنصب هو حالياً من حصة الأرثوذكس. ويقترح باسيل إجراء مقايضة تقضي بإسناد سفارة لبنان في موسكو إلى أرثوذكسي مع أن التوزيع المعمول به يقضي بأن تكون من حصة الدروز على أن تعطى لهم سفارة لبنان في بكين، كما يقترح إعادة النظر في طائفة بعض السفراء لدى بعض دول مجلس التعاون في الخليج العربي، إضافة إلى استبدال طائفة سفير لبنان لدى إيطاليا بسفير من طائفة أخرى. لذلك، لا بد من حسم الخلاف الذي يؤخر إصدار التشكيلات القضائية والديبلوماسية، وهذا يستدعي التدخل لخفض سقف مطالب باسيل وجريصاتي للحفاظ على التوازن الطائفي وعدم الإخلال به.