الإشادة بالهبّة الشعبية التونسية في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، لم تقتصر على تيار من دون آخر، إذ كانت المباركة من الأصعدة والتيارات المتباينة في الساحة الفكرية والثقافية كافة، إلا أن اللافت في الأمر، احتفاء الساحة الشرعية بذلك على رغم أن بعض أدبياتها ترفض مثل هذه الثورة. ربما كان للكبت الديني في الشارع التونسي، دور في احتفاء الوسط الشرعي بتلك الثورة، إذ تناقلت المواقع الإلكترونية والمجموعات البريدية صوراً لأول صلاة جماعة، ونقلاً لأوقات الأذان، وبعضاً من النساء المحجبات. التيار السلفي العلمي «الجامي» يرى في الخروج على ابن علي خلافاً لتعاليم الدين، ويعتبر ما حدث من قتل وتخريب جريمة لا تغتفر، إلا أن فئات من داخل التيار السلفي باركت هذا الأمر، وطلبت من المسلمين أن يدعون الله لبوعزيزي بالمغفرة والرحمة. الظلم والاعتداء والتضييق على الناس في حقوقهم، والفساد المالي كل هذه المشتركات وأكثر جعل التيارات العلمانية والاشتراكية ومن قبلها الإسلامية تحتفي بسقوط ابن علي، كما أن التحالفات التي عقدها قادة تلك الأحزاب كان لها دور فيما يبدو في توحيد الموقف، إذ ذكر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في تصريحات صحافية أن حقوق الإنسان وحرية المعتقد من النقاط المشتركة لكافة التيارات. الباحث بدر العامر أوضح أنه للمرة الأولى يقف الإسلاميون والليبراليون في موقف سياسي واحد، إذ كلهم هتف بالثورة، وبسقوط ابن علي، وكلهم رأى في الحدث خلاصاً من الواقع الذي يعيشون فيه، وذكر في مقال له أن الفرق هو أن الليبراليين يقولون: فعلها دعاة الحرية والليبرالية والديمقراطية والتعددية، والإسلاميون يقولون: فعلها من يخرج على الطاغوت الذي حرق الحجاب وأهان الشريعة وحكم بغير ما أنزل الله، واليساريون يقولون: فعلها الجائعون من طلبة الرغيف والعيش... وفي النهاية سوف تثبت الأيام أن الذي فعلها، هي قوى خفية تريد أن تمرر أجنداتها الخفية في العالم الإسلامي. الرؤية السلفية في عدم الخروج على بن علي، في رؤية بعض الباحثين الشرعيين لو كانت حاضرة في تونس لظل الظلم جاثماً على صدور التونسيين ولم يتغير الحال مطلقاً، لذا يسخر الباحث الشرعي رائد السمهوري قائلاً: لو كان أهل تونس كلهم سلفيين على طريقة فلان وفلان، هل كانوا سيفكرون أصلاً أن يثوروا؟ ثم أضاف في تعليق له في الفيسبوك: هناك من يقول إن تنقيح المناط غير تحقيقه، فهم قد نقضوا البيعة، ولكنهم لا يأثمون لأنهم جهلة، وبهذا لا يحكم عليهم بالإثم... قلت: بورك الجهل إذن. تجريم الثورة دينياً لم يرق لشرعيين آخرين، يقول الباحث الشرعي منصور الهجلة: «بعض السلفيين الواقعين في العلمانية السلبية يعتبرون الثورة التونسية ضد الاستبداد والظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ليست ثورة من الدين؟ وتساءل من المسؤول عن تجزيء الدين وبث هذه المفاهيم العلمانية؟ مؤكداً أن هذه النظرة مربوطة بفلسفة دينية محرفة في العقل السلفي المعاصر الذي دشنه بعض السلفيين المعاصرين»، في حين اعتبر الدكتور سليمان الضحيان أن قلة الفقه وانتشار الظاهرية في فهم النصوص ، وتوقف العقل عند واقع القرن الثاني الهجري، مع خلطه بشيء من اجتهادات بعض علماء القرن الثامن الهجري هي المسؤولة عن نزع الثورة التونسية من الدين.