على ما يبدو أن الإرهاب يدعو لدين جديد، لم ينزل من سماء، ولا تحتمل وجوده أي أرض، فهو أعلنها صريحة مرات عدة «مرة تلو المرة»، أن لا حرمة لبقعة مقدسة أو غير مقدسة، ولا لإنسان أو بنيان، ولا لشهر هو من أفضل الشهور، ولا لديانة أو مذهب أو عرق أو جنس بشري، وهدفه من دون شك قتل الإنسان وإنهاء الحياة، حتى مع ضيوف الله في شهر الله رمضان. لم يكن نمو غول الإرهاب المشوه مفاجئاً، بل كان نمواً متصاعداً نحو إهلاك الحرث والزرع والإنسان، وهدفه إثارة الرعب، ووصم الإسلام بالتطرف والقتل والدم، فالبلد الآمن أرادوا أن يغيروا الآية التي أنزلت فيه، ليصبح بلد الخوف وعدم الاستقرار، لكن مخططهم باء بالفشل ومكرهم أحاط بهم وخابوا. وهنا نستحضر بأنه منذ الإعلان الأول عن محاصرة رجال الأمن لانتحاري في منطقة الحرم المكي، كان الذهول سيد الموقف، وعدم التصديق كان المقدم على أي تفصيل آخر، بيد أن بيان وزارة الداخلية أشار إلى أن المجرم بادر بإطلاق النار على رجال الأمن، ليهب أسود المملكة ويمطرونه بوابل من الرصاص ليرسله إلى جهنم، ولا يزال الذهول والدهشة سيدي الموقف. الصورة ذاتها تتكرر في الشهر نفسها، لكن في بقعة هي من أقدس البقاع، ففي العام الماضي وفي التوقيت ذاته فجر إرهابي نفسه بالقرب من مواقف السيارات بجوار الحرم النبوي الشريف، ليعلن صيغة أخرى من صيغ الدناءة التي يتبناها الفكر الإرهابي، والذي أعلن عن هذه العملية أن «لا حرمة لمكان حتى وإن كان الحرمين الشريفين، أو لأي شهر وإن كان شهر رمضان، أو لأي إنسان حتى وإن كان مصلياً وهو ضيف للرحمن». في حين شنت تغريدات كثيرة هجوماً بحجم الهجوم الانتحاري الذي كان يستهدف الأبرياء والأماكن المقدسة على الإرهابيين ومحرضيهم، إذ ركزت على أن «الإسلام بريء من هذه الخسة، وأن ترويع العباد والبلاد من عمل الشيطان لا محالة، فماذا بقي بعد أن أصبح الحرمان الشريفان تحت مرمى ومطمع الإرهاب، أي دين هذا بل أي تفكير وأي خاتمة يخطها الإرهاب لنفسه». في الوقت نفسه سجلت يقظة رجال الأمن الموجودين في مواقع مختلفة من الحرم المكي الشريف، والذين تجاوز عددهم بحسب الإحصاءات أكثر من 11 ألف شخص، انتصاراً كبيراً وسداً منيعا لكل من يريد العبث وترويع العباد، إذ كانوا العيون الساهرة ليؤدي معتمرو البيت الحرام والمصلون فيه مناسكهم وصلاتهم بطمأنينة، ولم يستطع الإرهاب ولمحاولات عدة كسر بنيان الأمن المتين، ودون في سجل خزيه حكاية بطولة أخرى لرجال الأمن في المملكة. كما فشل الإرهاب وفي محاولات عدة في أن يثبت وجوده، وكان أكثر عملياته خسه ودناءة، ما حدث في يوم 29 من شهر رمضان المنصرم، حين امتزج صوت أذان المغرب بدوي انفجار في مواقف سيارات تابعة لمركز قوات الطوارئ بجوار الحرم النبوي، استشهد على اثره أربعة من أبطال قوات الطوارئ، وتبنى داعش العملية وباركها. ووقعت في اليوم نفسه هجمات متفرقة في المملكة إحداها استهداف القنصلية الأميركية في جدة، ومحاولة تفجير مسجد لأبناء الطائفة الشيعية في محافظة القطيف، بالتزامن مع تفجير المسجد النبوي، ويعود المشهد ذاته في مكة وبالتحديد في الحرم المكي الشريف ليؤكد أنه عمل إجرامي لا ينتمي لدين أو طائفة أو إنسانية. كذلك أحدث خبر استهداف مكةالمكرمة من الإرهابيين الصدمة والألم في دول إسلامية عدة، وكان حديث الإعلام العربي والعالمي حول تجريم هذا العمل، ومثل مادة دسمة للتأكيد على بشاعة وجه الإرهاب الذي بات عمله الدؤوب هدم الإسلام والقضاء على الإنسانية. فيما أعادت الحادثة الأخيرة إلى الأذهان حادثة الحرم في عام 1979، حين استولى أكثر من 200 مسلح على الحرم المكي، وذلك في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز، في حادثة هزت العالم الإسلامي برمته، وتسببت في سفك الدماء في باحة الحرم، وكان يقودها زعيمها جهيمان، لكن ببطولة أكثر من 10 آلاف جندي تم تحرير الحرم وتم قتل المجرمين وإلقاء القبض على بقية العصابة، ليتم إعدامهم في ما بعد لما اقترفوه بحق أقدس بقعة على وجه الأرض.