حسمت مصر بسلطاتها الثلاث ملف جزيرتي تيران وصنافير لمصلحة عودتهما إلى السعودية، فبعد أن أقر البرلمان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي آلت بمقتضاها ملكية الجزيرتين للمملكة، أوقف قرار لرئيس المحكمة الدستورية العليا المسار القضائي المعقد الذي سلكته الاتفاقية بأن أمرَ بإيقاف تنفيذ الأحكام المتضاربة الصادرة بخصوصها، فيما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمة إن «الملف حُسم»، مؤكداً أن مصر «أعادت الحق لأصحابه». وشدد السيسي الذي تنتظر الاتفاقية تصديقه لدخولها حيز النفاذ: «الأوطان لا تُباع ولا تشترى بأي ثمن مهما كان مرتفعاً». وأضاف: «الأوطان تدار بالقوانين والحقوق المشروعة، وليس بالأهواء أو الانفعالات»، مؤكداً «الحرص على أداء تلك الأمانة بكل شرف وتجرد وولاء مطلق لمصر». وأمر رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عبدالوهاب عبدالرازق بوقف تنفيذ أحكام القضاء الإداري وأحكام القضاء المستعجل الصادرة بخصوص اتفاقية تيران وصنافير. واستند عبد الرازق إلى نص في قانون المحكمة الدستورية يسمح لرئيسها باتخاذ قرار «وقتي» بإيقاف تنفيذ الأحكام المتضاربة لحين صدور حكم نهائي فيها. وسلكت اتفاقية تعيين الحدود مسلكاً قضائياً معقداً في المحاكم المصرية، إذ أصدر القضاء الإداري حكماً ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية عليها، وهو ما أيدته المحكمة الإدارية العليا بحكم نهائي يُبطل الاتفاقية، لكن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة أصدرت حكماً بإلغاء حكم المحكمة الإدارية العليا، باعتبار الاتفاقية من أعمال السيادة التي لا تجوز رقابتها من السلطة القضائية، وهو ما أيدته محكمة استئناف القاهرة بحكم نهائي أيضاً، فرد القضاء الإداري بحكم جديد يقضي بعدم الاعتداد بأي أحكام تصدر عن محكمة الأمور المستعجلة بخصوص أحكام مجلس الدولة في شأن الاتفاقية، تنفيذاً لنص دستوري يغلّ يد القضاء المدني عن التصدي لأحكام القضاء الإداري. وأظهر بيان للمحكمة الدستورية انحياز تقرير لهيئة المفوضين فيها إلى عدم الاعتداد بالأحكام الصادرة بخصوص الاتفاقية، إذ قالت إن أمر وقف تنفيذ الأحكام استند إلى توصية هيئة المفوضين، باستعجال إيقاف تنفيذ الأحكام، لمظنة الافتئات على اختصاص سلطتي الموافقة (البرلمان) والتصديق (رئيس الجمهورية) على الاتفاقية من ممارسة وظيفتها الدستورية، ورجحان أن تقضي المحكمة الدستورية بعدم الاعتداد بالحكمين المتناقضين (حكم بطلان الاتفاقية الصادر من القضاء الإداري وحكم المضي في تنفيذها الصادر من محكمة الأمور المستعجلة)، إذ إنهما خالفا «قواعد الاختصاص الولائي». وأبدى وزير شؤون مجلس النواب المستشار عمر مروان ارتياحاً لقرار رئيس المحكمة الدستورية. وقال مروان في جلسة مجلس النواب أمس، إن المحكمة الدستورية العليا أعادت بهذا القرار الأمور إلى نصابها الصحيح. وأضاف أن المحكمة أكدت «التطبيق السليم لمفهوم أعمال السيادة»، وأن الاتفاقيات الدولية من صميم أعمال السيادة التي تخرج عن اختصاص المحاكم الإدارية أو المحاكم العادية. من جانبه، قال رئيس مجلس النواب علي عبد العال إن قرار المحكمة الدستورية أثبت أن «الغالبية البرلمانية كانت على حق» على رغم ما نالها من كلام وتجريح غير لائق، مضيفاً: «القرار يؤكد اختصاص مجلس النواب في نظر الاتفاقية... لتسكت الآن الأصوات التي خوّنت الغالبية».