قبيل أسابيع من رحيله قرأ الكاتب الإسباني المعروف خوان غويتسولو الترجمة الإسبانية لديوان الشاعر أمجد ناصر «مرتقى الأنفاس» وكتب لها مقدمة، وصدرت الترجمة عن دار كانتارابيا الإسبانية، وأنجزها أحمد العبدلاوي وأنطونيا ماريا ريكاس. وكان الديوان صدر للمرة الأولى عن دار النهار في بيروت عام 1997. يتناول «مرتقى الأنفاس»، الذي اختارت له دار النشر عنوان «توديع غرناطة»، الثيمة الأندلسية، خصوصاً حكاية أبي عبدالله الصغير، آخر ملوك العرب في الأندلس، من وجهة وجودية وشخصية مختلفة عن سائد هذه الموضوعة في الكتابة العربية التي لم تبارح فكرة الحنين إلى الأندلس، و«الفردوس المفقود»، في نوع من ترجيع صدى قول السلطانة عائشة الحرّة لابنها أبي عبدالله الصغير وهو يلقي آخر نظرة على غرناطة: «إبك كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال». وبصرف النظر عن حقيقة هذا القول غير أنه يعكس نظرة إلى الأندلس لم تتغير كثيراً في المتخيل العربي. يقول الكاتب الإسباني خوان غويتسولو، الحائز جائزة سيرفانتس في المقدمة: «لقد دافع الشاعر الأردني أمجد ناصر عن القضية الفلسطينية وعن الديموقراطية في العالم العربي. بيد أنه لم يسخر قلمه كشاعر لخدمة مثل هذه القضايا على رغم عدالتها ونبلها. فأمجد ناصر يعلم حق العلم أنه لا ينبغي الخلط بين الغنائية وبين النضال الوطني والأيديولوجي. تلك مهمة يتكفل بها الشاعر الملحمي، أو ما يعرف اليوم بالشاعر الدعائي. وأمجد ناصر ليس هذا ولا ذاك، فهو قد بحث دائماً وما زال عن التعبير بصوت متميز عبر الكلمات الدقيقة والجميلة. إنه ليس من أولئك المقلدين لنيرودا أو إلوار أو أراغون. فشعره ينحدر مباشرة من الغنائية العربية الأصيلة ويجددها ويبعث فيها نضارة وحيوية. تسلسل أطوار الموضوع في هذا الكتاب والذي أجاد أحمد العبدلاوي وماريا أنطونيا ريكاس في ترجمته، يكشف لنا عن جوهره الأصيل: النظرة الجانبية لحبكة الأحداث عبر التفاصيل المعبرة، من دون الوقوع أبداً في تلك النبرة الرثائية للفردوس المفقود. أبو عبدالله الصغير، الملك الناصري الأخير، ليس هنا تلك الشخصية المأسوية، بل إنه يسري فيه بطريقة جانبية والكلمات الشعرية تلامسه بوداعة بأجنحتها: «آه خفَّتي، / وصل الغريب/ بلا بارحة أو غد/ وصل الغريبُ/ على آخر نفس». مجمل القول: إننا أمام مثال رائع عن الشعر العربي المعاصر».