منطقة وادي اللوار الفرنسية المعروفة بنهر يحمل اسمها، وقصورها الملكية التاريخية والتي يؤمها ملايين السياح سنوياً وهي مسجلة على لائحة التراث العالمي، تتحول مرة سنوياً إلى محترف واسع للحدائق المميزة في تصورها وتصاميمها. بلدة شومون سور لوار Chaumont Sur Loire هي قبلة هذا الحدث وتنظم كل سنة ومنذ نحو ربع قرن مهرجاناً عالمياً للحدائق التي أنجزت خصيصاً لهذا المهرجان الذي افتتح أخيراً تحت عنوان «سلطة الأزهار» ويستمر إلى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. حقق المهرجان نجاحاً فرنسياً وعالمياً ويقصده سنوياً 400 ألف زائر من فرنسيين وأجانب. وكل عام يتبارى مئات مصممي الحدائق للمشاركة في المهرجان لكن القيمين عليه يختارون فقط نحو ثلاثين حديقة تتوزع في حدائق القصر المطل على نهر اللوار والذي شيد في القرن الخامس عشر. وفي لقاء مع مديرة المهرجان شانتال كولو-دومون في اليوم الذي خصص لاستقبال الصحافيين القادمين من باريس بالقطار إلى شومون للتعرف إلى جديد هذا العام، قالت إن الموسم الحالي هو الخامس والعشرون، و «خلال كل هذه المواسم تم ابتكار 700 حديقة تشكل نماذج من الفسحات الخضراء في المستقبل، ذلك أن من الأهداف الأساسية للمهرجان إبراز المواهب والرؤى الجديدة التي تمكنت من إحياء هذه النتاجات الفنية الحية المتمثلة بالحدائق». وأضافت أن التنوع والإبداع ونوعية المشاريع الجامعة بين العلم وعلم النبات والحدائق والشعر والموسيقى ساهمت في إكساب المهرجان شهرة عالمية فأصبح موعداً فريداً من نوعه لتقديم أعمال مصممي الحدائق والبساتين والمهندسين المنتمين إلى أجيال مختلفة والقادمين من آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركتين. وبالفعل هذه الحدائق المنبسطة أمام أعيننا لا تمنحنا طرائق جديدة للنظر فحسب، بل تحضنا أيضاً على احترام الكوكب الذي نعيش فيه وحمايته من أخطار جمة. يجمع مختبر الحديقة بين متعة النظر واكتشاف قدرات الأزهار المختلفة، جمالها وفوائدها من جهة، وكذلك الحرص على أصناف النباتات والأزهار والحفاظ عليها للأجيال الآتية من جهة أخرى. ولم يكن ذلك ممكناً لو أن العاملين في هذا المجال ليسوا من المتعلمين والمتخصصين الذين درسوا هذا العالم الفاتن في معاهد للحدائق ويعملون اليوم على تحبيبنا به. كل سنة يختار مهرجان الحدائق موضوعاً أساسياً تتمحور حوله نشاطاته. موضوع هذا العام يتناول «سلطة الأزهار» ودورها في المتخيل الفردي والجماعي. هذا المتخيل الذي عبرت عنه الحضارات الإنسانية منذ حدائق بابل المعلقة في بلاد ما بين النهرين حتى اليوم في الفنون والآداب. هناك السلطة الرمزية أيضاً التي تتجلى في التنوع اللامتناهي للأزهار والكمال في الشكل وسحرها. فجمالها وعطرها وبريق حضورها وألوانها الكثيرة وحتى طعمها في الشاي والمربيات والحلويات، هذا الجمال يثير الحواس. هذه الأزهار الأبدية والسريعة العبور في وقت واحد، الرقيقة والقوية أيضاً، الهادئة والمتوحشة، تتمتع بسلطة من نوع آخر، سلطة الغواية والقدرة على معالجة بعض الأمراض بل وأيضاً على القتل الناتج من بعض الأزهار السامة. في عالم الأزهار ومعانيه يدور هذا المهرجان وأيضاً في بعض الأسئلة وأبرزها: كيف تتعامل حدائق القرن الحادي والعشرين مع سلطة الزهر ونعمته وكيف تعتبر الزهرة وتقدرها وتستعملها. من فناني الأزهار استوقفنا تجهيز يحمل توقيع الفنانة البريطانية ريبيكا لويز لو التي تشتغل على تحويل الفضاءات وجعلها عوالم ملونة وشعرية بفضل التقنيات الحديثة التي تعتمد عليها وتسمح لها بأن تنثر في الهواء آلاف الأزهار في مكان واحد محدد فتبدو كأنها شلال متدفق. لا يغيب الفن والشعر عن هذا المهرجان في خلفية الأعمال المعروضة، وهذه الحدائق الباهرة الموقتة تستحضر أزهار الرسام هنري ماتيس وأشعار الكثير من الشعراء ومنهم شارل بودلير صاحب ديوان «أزهار الشر»، وأيضاً الشاعر فيليب جاكوتيه القائل: «كل زهرة تتفتح كأنما تفتح عيوننا».