الأرجح أنه لا يوجد فرد سعودي واحد تجاوز الثلاثين، لا يعرف، أو يعرف عن فرد أو أفراد، ذهبوا ضحية لمقاصل السيارات. إن زيارة واحدة لقسم الطوارئ في أحد مستشفياتنا الكبيرة كمستشفى الشميسي في الرياض في ليل أو نهار، كفيلة بإقناع أي شخص سوي بأنه لا بد من إيجاد، والأهم، تنفيذ نظام مروري، يعاقب كل من يخالف النظام، ليس من أجل أخذ الثأر للضحايا، وإنما لحماية غالبية سالكي الطرق، بمن فيهم الشخص المخالف. وحينما أتت أداة لمنح نظام المرور السعودي الأسنان التي كان يحتاج إليها منذ عشرات السنين، ضج المئات. وفي الوقت ذاته التزم عشرات الآلاف النظامَ الذي كان الالتزام به قليلاً في ما مضى، غير أن غالبية الملتزمين هي من الغلبية الصامتة، كما يكون عليه الحال في معظم الأماكن والأزمان. كم شخصاً دافع عن أرواح وممتلكات عابري الطرق من مواطنين ومقيمين، فدافع عن انتشار كاميرات «ساهر»؟ وكم عدد نقاد «ساهر»؟ إذا تجاوزنا الأقوال الساذجة والحكم الشائعة، فإن التفسير الوحيد الذي قد يأتي به طالب علم الاقتصاد هو تضارب المصالح. إن إيجاد أداة فاعلة، أياً كان ابتعادها عن الكمال، لتفادي الحد الأكبر من الحوادث التي تعوق وتقتل وتدمر الممتلكات، أو حتى لإشعار الملتزمين نظامَ وأخلاق السير في الطرق، أن هناك أداة لرصد المخالفين الذين يهددون حياة الجميع من ملتزمين وغير ملتزمين يكفي للقول بأن وجود نظام «ساهر» إجمالاً يخدم المصلحة العامة. غير أن طلاب علم الاقتصاد وغيرهم من ذوي العلم والتجربة لا يجهلون أنك نادراً ما تجد من يدافع عن المصلحة العامة. في البدء قال نقاد «ساهر» انه غير مطبق على الجميع، وعندما عرفوا أنه بكل تأكيد مطبق على الجميع من دون استثناء، قالوا انه نظام «جباية»، لاستثارة مشاعر الناس وتخويفهم، ومن ثم محاولة إضعافه أو حتى إلغاء وجوده. والمطلوب من نقاد «ساهر» اقتراح نظام، والأهم، أداة للتنفيذ، لتحقيق الهدف الأسمى الذي حققت كاميرات «ساهر» جزءاً كبيراً منه. دع عنك العموميات الساذجة كالاعتماد على «الوعي» وتثقيف غالبية الناس بأهمية إجراءات السلامة ومعرفة مدى أخطار السيارات. إن أفضل شبكة من الطرق الحديثة ذات المسارات العشرة في كل اتجاه، في منطقة كجنوب ولاية كاليفورنيا، مع وجود توعية مستمرة مؤثرة في بلد متقدم اعتادت غالبية سكانه على الالتزام بالنظام، لم يكف سابقاً ولا يكفي حاضراً، ولن يكفي مستقبلاً، لإلزام كل من سلك ويسلك وسيسلك الطرق بالنظام، لولا وجود «رادارات» وسيارات شرطة، ظاهرة وخفية، على كل المستويات لضبط ومعاقبة المخالفين بعقوبات متفاوتة في شدتها بما في ذلك سحب رخصة القيادة، بل والسجن في أحيان نادرة لكل مخالف وكل مستهتر لأي سبب من الأسباب. هل إن ما تقدم يعني أن نظام «ساهر» ليست فيه نقائص وهفوات؟ لا، بالطبع. فأولاً يمكن رفع الحد الأعلى للسرعة في بعض الشوارع والطرق قليلاً، والأهم الإكثار من تعدد اللوحات التي تبيّن الحد الأعلى للسرعة أياً كان ذلك الحد. وتكرار توعية سالكي الطرق بإيجاد لوحات متكررة تبيّن السرعة القصوى، ومثلها في التقاطعات عن جواز وعدم جواز الاتجاه إلى اليمين أو اليسار أو حتى إلى الأمام، وكلها بكل تأكيد من الضروريات التي لا تكفي بحد ذاتها ولكن وجودها يساعد على نشر الوعي والالتزام. وللأسف الشديد فإن كاميرات «ساهر» لا تضبط من يتجاوزون من اليمين، ولا من يقذفون بالمناديل الورقية والعلب وغيرها من المهملات والملوثات من نوافذ سياراتهم. وجوهر الموضوع أن لكل شيء سعره. ومن يخالف النظام، دع عنك من يستهتر به، ينبغي أن يدفع ثمن مخالفته بمفرده، ولا يُحَمِّل بقية أبناء المجتمع تكاليف مخالفته وعدم مبالاته. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي.