نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أمس، عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وفلسطينيين قولهم إن الإدارة الأميركية تدرس إمكان بلورة وثيقة مبادئ لحل القضايا الجوهرية في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تقوم على أساسها المفاوضات بين الجانبين في شأن التسوية الدائمة وإنهاء الصراع. لكنها أضافت أن البيت الأبيض لم يحسم موقفه النهائي من ذلك، ولا من طبيعة الخطة التي ستحاول الإدارة الأميركية من خلالها دفع عملية السلام، وأن ثمة نقاشاً يدور بين الجهات الأميركية التي تعالج ملف الصراع. وأشارت الصحيفة إلى جملة أحداث تؤشر إلى التوجه الأميركي نحو وضع «وثيقة مبادئ»، أولها زيارة موفد الرئيس الأميركي الخاص جيسون غرينبلات إلى كل من القدس ورام الله الأسبوع الماضي، غداة مغادرة الرئيس دونالد ترامب البلاد، تناول فيها مع كل من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو والرئيس محمود عباس (أبو مازن) الأفكار الآخذة في التبلور في الإدارة الأميركية لاستئناف المفاوضات، واستمع إلى رأي كل منهما عن المسار الذي يرغبان به لاستئناف المفاوضات، وكيف سيتم ذلك، وما هي توقعاتهما منها ونتائجها. ثم أشارت الصحيفة إلى لقاء نتانياهو نواب حزبه «ليكود» في اجتماع مغلق مطلع الأسبوع وقوله، في إشارة إلى نية الإدارة الأميركية وضع خطة لاستئناف المفاوضات، إن «ثمة عزيمة قوية لدى الإدارة الأميركية الحالية بطرح شيء على الطاولة... ولدينا مواقف كثيرة مهمة، لكن ذلك لا يعني أن كل ما نقوله مقبول لدى الأميركيين». ويوم الثلثاء الماضي، حدد نتانياهو في مقابلة مع الإذاعة العسكرية، سلسلة مبادئ تقوم عليها أي تسوية دائمة للصراع، في مقدمها أن «يتخلى الفلسطينيون عن مطالبهم بعودة اللاجئين إلى إسرائيل، والاعتراف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، وإبقاء سيطرتها الأمنية على جميع الأراضي في الضفة الغربية». كما استذكرت الصحيفة تصريح مسؤول أميركي رفيع قدم ايجازاً للصحافيين الذين رافقوا الرئيس في زيارته إسرائيل، بقوله إن الإدارة الأميركية معنية بعرض مبادئ يتفق عليها الطرفان ويعملان بموجبها، رافضاً إضافة تفاصيل. وكررت أنه لم يتخذ بعد قرار حاسم، مقتبسة أقوال نائب وزير الخارجية الأميركي ستو جونس في ايجاز للصحافيين الثلثاء الماضي في واشنطن، إنه «لم يتم بعد إنشاء آلية رسمية لتحريك المفاوضات السلمية أو إدارتها»، فيما أضاف موظف إسرائيلي قائلاً إن الأميركيين لا يعرفون بعد إلى أين يريدون الذهاب في كل ما يتعلق بعملية السلام. وتابعت الصحيفة أن نتانياهو ومستشاريه الكبار يتأهبون لاحتمال أن تعمل إدارة ترامب على بلورة وثيقة المبادئ من خلال إشراك الطرفين كمرحلة أولى من المفاوضات، أو أن تقدم للطرفين هذه الوثيقة كاقتراح أميركي أولي يشكل قاعدة لبدء مفاوضات الحل الدائم. ونقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله لها إن التقديرات الإسرائيلية هي أن الأميركيين يعتزمون وضع خطة، «لكننا لا نعرف مضمونها». وقال مسؤول فلسطيني ضالع بالاتصالات مع الإدارة الأميركية إن عباس فهم من لقاءاته المسؤولين الأميركيين أنهم يدرسون فكرة بلورة وثيقة مبادئ لحل القضايا الجوهرية تكون أساساً للمفاوضات. وأضاف أن الكرة الآن في الملعب الأميركي، «لذلك نلتزم الصمت بعد أن طلب منا الأميركيون أن ننتظر... نعتزم أن ندخل مفاوضات جدية على جميع القضايا». وأضاف مسؤولون إسرائيليون كبار أن قضية «وثيقة المبادئ» لا تزال في محور التخبط الأميركي، وأن ثمة نقاشاً بين مسؤوليها في ما إذا كانت بلورة وثيقة كهذه هي الطريق الصحيحة، وكيف يجب أن تكون عملية بلورتها. ووفق مصدر إسرائيلي كبير، يتخبط الأميركيون في ما إذا كان يجب بلورة الوثيقة في مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، أو بتدخل أميركي فاعل، أو ربما إجراء مشاورات منفصلة مع الجانبين تتم في ختامها بلورة وثيقة مبادئ كاقتراح أميركي يشكل قاعدة لاستئناف المفاوضات. وأضاف أن ثمة تفكيراً في الإدارة لا يحظى بعد بالإجماع يقضي بأنه «ربما يجب البدء مع وثيقة المبادئ وجمع الطرفين والتباحث في معاييرها». السفارة والقدس من جهة أخرى، توقع مسؤولون أميركيون ومصدر ديبلوماسي أول من امس، أن يؤجل ترامب الأسبوع الجاري نقل سفارة الولاياتالمتحدة من تل أبيب إلى القدس رغم تعهده خلال الحملة الانتخابية باتخاذ هذه الخطوة المثيرة للجدل. ورجحت المصادر أن يواصل ترامب سياسة سابقيه في الرئاسة بتوقيع وثيقة تؤجل مدة ستة أشهر تطبيق قانون صادر عام 1995 يقضي بنقل السفارة إلى القدس. وذكر مسؤول أميركي أن ترامب لم يتخذ قراراً رسمياً بعد، لكن القانون يلزمه اتخاذ قرار بحلول الجمعة. ويتوقع أن يجدد ترامب تأجيل تطبيق القانون، لكن إدارته تنوي توضيح أنه لا يزال ملتزماً الوعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية عام 2016، من دون أن يحدد جدولاً زمنياً محدداً لتنفيذ الخطوة، وفق ما قاله مسؤولون. ورداً على سؤال، قال الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر للصحافيين أول من أمس: «بمجرد أن يكون لدينا قرار سنعلنه»، مضيفاً أنه سيكون هناك «شيء ما في شأن هذا قريباً جداً». وبينما توجد انقسامات بين مساعدي ترامب على هذه القضية، فإن الرؤية السائدة، في ما يبدو، هي أنه يتعين على الولاياتالمتحدة إبقاء سفارتها في تل أبيب حالياً لتجنب إثارة غضب الفلسطينيين والحكومات العربية والحلفاء الغربيين فيما يسعى الرئيس الأميركي إلى إحياء جهود السلام.