ولي العهد: مركز المملكة المالي قوي ومكانتها رفيعة ونجحنا في مواجهة التحديات العالمية    الخريف يبحث تعزيز التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والتعدين مع تونس وطاجيكستان    نائب وزير الدفاع يرأس وفد المملكة في اجتماع الدورة ال 21    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    حكومة نتنياهو تناقش التسوية.. و20 غارة إسرائيلية على بيروت    يايسله يطلب تعاقدات شتوية في الأهلي    موعد مباراة النصر القادمة بعد الفوز على الغرافة    العراق يشهد اجتماعًا ثلاثيًا حول أهمية الحفاظ على استقرار وتوازن أسواق البترول العالمية    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء لإقرار الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 2025م    التعليم تسلط الضوء على تمكين الموهوبين في المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع    تنفيذ 248 زيارة ميدانية على المباني تحت الإنشاء بالظهران    أمانة الشرقية : تطرح فرصة استثمارية لإنشاء مركز صحي لعلاج حالات التوحد والرعاية الفائقة    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    سجن سعد الصغير 3 سنوات    حرفية سعودية    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    فصل التوائم.. أطفال سفراء    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    ألوان الطيف    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مجرد تجارب.. شخصية..!!    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    866 % نمو الامتياز التجاري خلال 3 سنوات    التظاهر بإمتلاك العادات    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحات ثقافية
نشر في الحياة يوم 02 - 06 - 2017


قصة حياته
يشرّح حنيف قريشي «إذلال الرغبة» مجدداً في روايته الأخيرة «اللاشيء» الصادرة في 167 صفحة عن دار فيبر. يشيّء الكاتب الباكستاني البريطاني النساء كعادته، ويختزلهن في الجسد الذي يمثّل «محور كل ما يستدعي العيش». في «حميمية» قال إن ثمة ممارسات للجنس يترك المرء شريكته وأولاده يغرقون في البحر المجلّد من أجلها، وفي «اللاشيء» يقول البطل، الأقرب الى البطل المضاد، إن المرأة هي الرخاء الأقصى، الماسة، سيارة الرولز رويس ولوحة ليوناردو دا فنتشي في غرفة الجلوس.
كان وولدو مخرجاً سينمائياً شهيراً، وشاباً جذاباً أطال شعره وطوّق عنقه بالخرز. تزوج زي الباكستانية التي تصغره باثنين وعشرين سنة، ويشكّ الآن وهو في ثمانيناته في أنها تخونه مع صديقه الناقد إيدي الذي يمضي معظم وقته في منزل وولدو، ويساعد زي في رعايته. تبدو زي أحياناً كأنها لا تزال تعشقه بشدة، وفي أحيان أخرى يظن أنها تحاول قتله. كانت أكثر من تمتّع بالجنس معها، ويريدها الآن أن تشدّ شعرها حتى تنزعه بعد وفاته، وتجرح معصمها بزجاجة مكسورة وإن قال إنه يرغب في زواجها بعده برجل ثري يمنحها اللذة. بات بديناً يمضي وقته في السرير والكرسي بالدولاب، وتتقاطع الأمراض بالجملة في جسده. السكّري، القرحة، سرطان البروستات، تصلّب الأنسجة وضيق الأوردة.
بات «المايسترو» السابق مقعداً يسمع أصواتاً يتخيّلها صادرة عن زي وإيدي في غرفة النوم. يتساءل إذا كان واهماً، ويخطّط للانتقام بلغة تمزج الصبيانية بعنف العهد القديم. سيضرب إيدي أولاً بالجنون والعمى والعجز، ثم يبول في فمه ويمسح مؤخّرته برأسه. يعترف أن صديقه، المطلّق المثقل بالديون، دائم اللطف والاستعداد للمساعدة، وربما كان يتخيّل. كان الخيال مهنته، ولُقّب ب «صاحب العقل القذر»، وهمّه الآن التخطيط والمناورة للاحتفاظ بزوجته التي يعذّبه الشكّ بها ويدفعها للخيانة إن لم تكن تفعل أساساً. يتلصّص على أقرب الناس اليه، ويبرّر بالقول إن المخرجين متلصصون محترفون يعملون مع محبّي الاستعراض. النرجسية دينهم، وعصا «السِلفي» صليبهم، وعليهم حملها في كل مكان. لكنه عاجز اليوم، وعليه ابتكار أكبر قصة في حياته قبل أن يفقد كامل سيطرته عليها.
غثيان وجودي
نال جائزة غونكور عن باكورته الأكثر مبيعاً «ه ه ه ه» في 2010 التي تناولت اغتيال رئيس جهاز الأمن النازي راينهارد هايدريك، ورواية لوران بينيه الثانية عن مقتل الناقد رولان بارت. لكن بارت لم يُقتَل. دهسته عربة غسيل أثناء عبوره شارع ديزيكول في باريس في 1980 بعد لقائه فرنسوا ميتران على الغداء. توفّي بعد شهر عن أربعة وستين سنة، وتحوي «وظيفة اللغة السابعة» الصادرة عن «هافل سِكِر» أنباء تلفزيونية من ليلة رحيله. لا يرغب بينيه في أن يعتبر القارئ أحداث الرواية حقيقية، بل يملأها بتاريخ مفبرك يحوي شخصيات روائية، تنظيراً ثقافياً في الهوية الفرنسية، ومقاطع من كتابات بارت ومنظّرين آخرين.
«وظيفة اللغة السابعة» رواية بوليسية من دون جريمة يتخيّل فيها المحقّق جاك بايار أن رحيل مؤلف «موت الكاتب» مدبّر، ويساعده أستاذ الجامعة سيمون هرزوغ في البحث عن القاتل. يعتقدان أن بارت حصل على وثيقة تتناول وظيفة اللغة السابعة التي تمنح المتكلم قدرة كاملة على إقناع من يحدّثه. اختفت الوثيقة، وتسابق الساسة، بمن فيهم الرئيس جيسكار ديستان حينها، والعملاء السرّيون على البحث عنها. يقود التحقيق بايار وهرزوغ الى إيطاليا والولايات المتحدة، ويشترك الاثنان في الاهتمام بالإشارات دليلاً الى المعرفة. يسأل بايار ميشال فوكو إذا كان لبارت أعداء، ولا يفيده الجواب. كان الجميع خصومه مذ التحق بكوليج دو فرانس. الرجعيون، الفاشيون، الستالينيون، الطبقات الوسطى، وفي الدرجة الأولى النقاد العجائز الذين لم يغفروا له حداثته.
يتقاطع النقاش الثقافي والجمالية والعنف والعبث في الرواية التي تتألّق لغتها مثلاً في مشهد مطاردة سيتروين سوداء لسيارة بايار وحامد، عشيق بارت. حين يمجّد الكاتب فيليب سوليرز العمل الذي يكتبه، تعاني زوجته الفيلسوفة جوليا كريستيفا من لحظة غثيان وجودي وهي تنظر الى طبقة الحليب الكثيفة التي تغطّي قهوته. يسطع العنف لدى جمعية نقاش سرية تقطع أعضاء الخاسرين فيها، العملاء البلغاريين الذين يقتلون بمظلات مسمّمة، والكاتب لوي ألتوسير الذي خنق زوجته.
تحرٍ ثوري
يبحث الكاتب الأميركي مايكل سيمز عن الشخصيات الحقيقية والقصصية التي صنعت شرلوك هومز في «آرثر وشرلوك: كونان دويل وابتكار هومز» الصادر عن دار بلومزبري. قد يكون هومز أشهر تحرٍ في القرنين الأخيرين، وابتكره دويل في ستة أسابيع. يدقّق سيمز في أحداث آخر شتاء 1886 وأول ربيعها ليكتشف مصادر الشخصية التي كانت أكثر ثورية مما ظنّ صانعها. لم يعتمد كاتب قبل دويل مدوّناً لمغامرات البطل كالدكتور ووتسن في الأدب البوليسي والروايات المتسلسلة. في قصة هومز الثانية «إشارة الأربعة» يفتخر ووتسن بكتابته «دراسة بالقرمزي» فيردّ التحري أنه يمكن تحسينها كما لو كان الاثنان يرعيان أسطورتهما منذ البداية.
فكرّ دويل بالشخصية وأدواتها. الغليون، كمان ستراديفِريوس، والكوكين والمورفين لردّ السأم. ناقض قتام المخدرات الصورة الدافئة، المريحة التي أوحت قبعة الصياد بها، لكن هذه كانت إضافة من سيدني باجيت، رسّام مجلة «ستراند». عرف دويل تأثير المخدرات حين درس الطب في جامعة إدنبرة، وشاهد الإدمان، خصوصاً على الروم، حين عمل جرّاحاً متمرناً في سفينة لصيد الحيتان. يتصدّر لائحة المرشحين للوحي بهومز أستاذ الكاتب جوزف بِل المعقوف الأنف، الرمادي العينين الذي كان نابغة في تشخيص المرض والشخصية والخلفية الاجتماعية. تخيّل دويل أستاذه تحرّياً، وتساءل كيف سيتصرّف ليكتشف المجرمين، وقال إن منهج بِل الاستقرائي أفاد موهبة هومز في الاستنتاج والتشخيص.
كتب إدغار ألان بو «جرائم شارع مورغ»، التي تعتبر أول قصة بوليسية حديثة، قبل ولادة دويل. قرأ الطبيب الاسكوتلندي قصص الكاتب الأميركي وقال إنها لا تمكن الإضافة إليها، لكن هذا ما فعله. كتب إحدى أشهر عبارات هومز وهو يعتقد أنها لبو:» حين تحذف المستحيل ما يبقى يجب أن يكون الحقيقة مهما كان قليل الاحتمال». وردت العبارة في قصة لدويل على لسان شخصية تعزوها الى بو. لكن هذا لم يكتبها، ما يعني أن دويل اقتنع أنه استعار من بو حتى حين لم يفعل، وخاف من اتهامه بالسرقة.
يقول سيمز إن دويل تأثر أيضاً ب «الليالي العربية الجديدة» التي نشرها روبرت لوي ستيفنسن في 1882، وجال تحرّيها الأمير فلوريزِل بوهيميا شوارع لندن ليلاً بحثاً عن الإثارة كما فعل هومز. عرف ستيفنسن جوزف بِل، أستاذ دويل، وابتكر نوعاً أدبياً جديداً بقصصه البوليسية القصيرة. كتب دويل أفضل قصص هومز قبل 1916 حين بدأ يؤمن بالروحانيات ويشترك في جلسات تحضير الأرواح. شاع هذا الدين الزائف خلال الحرب العالمية الأولى، وتوفّي أثناءها نجل دويل المعبود كنزلي بوباء الإنفلونزا.
سعى في «مجيء الجنيات» الى إثبات صحة الصور التي آمن أن جنيات الغابات ظهرت فيها، واعتقد كثيرون أنه فقد عقله. لكن دويل، الذي ارتدى بذلات من الجوخ السميك وهندس شاربيه بالشمع، كان تقدمياً في الوقت نفسه. دافع عن النساء المعنّفات، وهاجم طغيان بلجيكا في الكونغو. لم يكن صنيعه روحانياً بالتأكيد، وربما كان ملحداً. كتب دويل ستين قصة عن هومز، لكنه كره شعبيّته ومماهاته به اللتين فاقتا رغبته في أن يُعرف بأدبه الجدي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.