حتى الذين لم يحبوا فيلم «نحو التلاشي» للمخرج الألماني ذي الأصل التركي، فاتح آكين، متسائلين عما جاء يفعله فيلم له هذا البعد الخطّي والحكاية المفتعلة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، أدركوا منذ المشاهد الأولى التي ظهرت فيها دايان كروغر، أن هذه الممثلة الألمانية- الأميركية حصلت هنا على «دور حياتها»، على أفضل دور أدته في مسارها السينمائي، وعلى الأقل منذ ذلك الدور القصير نسبياً، إنما الرائع الذي أدته في فيلم «نذلون قذرون» للأميركي كوينتن تارانتينو في العام 2009. ومن هنا حين انتهى عرض الفيلم كان الحكم واضحاً: دايان كروغر ستكون منافسة رئيسية على جائزة أفضل ممثلة. كان هذا واضحاً حتى وإن رأى البعض أن الضجة التي أُحيط بها وجود نيكول كيدمان بأربعة أفلام منها إثنان في المسابقة الرسمية، قد يكون الحائل الوحيد دون كروغر والحصول على الجائزة. ونعرف الآن كيف حُلّت تلك «المعضلة» في شكل مبتكر واستثنائي: أُعطيت كيدمان جائزة السبعينية المبجلة، فخلا الدرب أمام الفاتنة الألمانية الأصل العالمية المسار، اللاعبة، في فيلم آكين، دور سيدة وأم ألمانية متزوجة من تركي كردي، يدمرها اغتيال زوج من النازيين الجدد زوجها وابنها فتقرر الإنتقام. في الحقيقة أن دور كروغر هنا، إذا كان يشبه شيئاً فإنه يشبه دور خواكين فونيكس في فيلم لين رامزي - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -، وفي الحقيقة أيضاً أن الأربعينية الألمانية بدت أكثر التصاقاً بدورها ومسارها في الفيلم مما يفعل زميلها الأميركي في فيلمه. ومهما يكن من أمر، فإن كروغر ذكرتنا هنا بمسيرتها السينمائية المدهشة التي بدأت علاماتها اللافتة تظهر مع قيامها بدور هيلين الطروادية في فيلم «طروادة» (2004)، وتتتابع مع سلسلة أدوار بديعة قامت بها، حتى في أفلام قد لا ترقى الى مستوى طموحاتها. فدايان كروغر المولودة في الشمال الألماني في العام 1976، وحتى فيما كانت تبدأ حياتها عارضة أزياء لدى كبار الدور، كانت تتطلع الى مسار مهني فني تصورته أول الأمر في عالم الباليه، إذ قصدت لندن لتنضم الى «مدرسة الباليه الملكية». لكن فن التمثيل سرعان ما استبد بها وكان ذلك حين أُسند اليها دور أول في الفيلم التلفزيوني «عازف البيانو» الى جانب دينيس هوبر وكريستوفر لامبير. وهي لفتت الأنظار حينها الى درجة أنه سرعان ما صارت الطفلة المدللة للمهرجانات ولا سيما مهرجان كان الذي اختارها العام 2012 عضواً في لجنة التحكيم. ولسوف تقول عن هذا لاحقاً: «لقد كان هذا المهرجان أساسياً في حياتي كممثلة. ففيه حصلت على أولى جوائزي - جائزة شوبار للاكتشاف الفني -، ثم تم اختياري سيدة الاحتفال ذات عام، وفيه عُرضت ثلاثة من أفلامي الرئيسية التي أطلقت مساري المهني، «طروادة»، «عيد ميلاد سعيد» و «نذلون قذرون» فيلم تارانتينو الذي لعبت فيه دور نجمة ألمانية تخون النازيين فتدفع الثمن غالياً...». واليوم لا شك في أن دايان كروغر ستضيف الفوز السامي الذي حققته بنيل جائزة أفضل ممثلة في المهرجان الأشهر في العالم، الى هذه القائمة التي تكتمل لديها وقد جاوزت الأربعين من عمرها. ونذكر هنا أن قائمة الأفلام التي لعبت فيها دايان كروغر أدواراً أساسية أو ثانوية، أكان هذا للسينما، في شكل خاص، أو للتلفزيون، تبدو طويلة الى حد معقول، لكن ما يميزها حقاً هو عولميتها، فهذه الفنانة التي تتمسك عادة بألمانيّتها، لا يضيرها أن تعتبر نفسها أميركية أيضاً، وفرنسية الهوى كذلك، من دون أن تنسى سنواتها اللندنية. وهي في خضمّ ذلك كله تعتبر من الفنانات المتمسكات بالقضايا الإنسانية الكبرى، هي التي أعلنت حين اعتلت مسرح كان لتسلم جائزتها أنها تهدي هذه الأخيرة الى كل ضحايا الإرهاب في العالم، من الذين قامت بدورها في الفيلم كي تناصرهم و «تنتقم» لهم.