ولدت السينما في مصر وهي تضحك... فقد أدرك السينمائيون الأجانب المقيمون في مصر أو الوافدون إليها، الميل الفطري للشعب المصري نحو الكوميديا والضحك، مدللين على ذلك برواج المسرح الكوميدي في أعقاب ثورة 1919 على يد نجيب الريحاني وعلي الكسار وأمين عطاالله وغيرهم. وفي كتابه «فطين عبدالوهاب... رائد الفيلم الكوميدي في مصر»، يرى الناقد السينمائي أشرف غريب أن فطين عبدالوهاب (1913- 1972) خلق تياراً بأفلامه السبعة والخمسين والتي ينتمي معظمها إلى الفيلم الكوميدي وقدم تراكماً من اعمال ناجحة لم تفقد قدرتها على إضحاكنا حتى الآن.. وترك أسلوباً مميزاً يمكن أن نلمسه بوضوح في أفلامه التي تركها. فقد جمع بين المهارة التقنية والحس الكوميدي الراقي، كما استوعب الثقافة السينمائية بمفهومها الواسع وهضم الشخصية المصرية الميالة إلى الفكاهة بطبعها. سنوات العمل والنجاح ويكمل غريب «حين بدأ فطين عبدالوهاب مشواره الإخراجي في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي كان أبناء جيله هم صلاح أبوسيف وحسن الإمام وعز الدين ذو الفقار وحلمي رفلة وأنور وجدي وغيرهم». واللافت في تاريخ ومسيرة فطين عبدالوهاب ما يتعلق بفيلمه الأول كمخرج، فمعظم الذين أرّخوا له أو درسوا مشواره السينمائي تجاهلوا فيلمه «نادية» 1949 واعتبروا أن فيلم «جوز الأربعة» 1950 هو فيلمه الأول. ثم قدم فيلمه الثاني «بيت الأشباح» 1951 والذي جعله يذوق طعم النجاح الجماهيري، لاسيما أن هذا الفيلم دشن لعلاقة فطين ببطله المفضل وكلمة السر في نجاحه في تلك الفترة إسماعيل ياسين... هذا النجاح الذي بلغ ذروته في سلسلة أفلام تعدت الستة عشر فيلماً ومنها تلك التي حملت اسم إسماعيل ياسين - ستة أفلام - إضافة إلى أفلام («كلمة الحق» و «الآنسة حنفي» و «ابن حميدو» و «امسك حرامي» و «العتبة الخضراء» و «ح يجننوني» و «حلاق السيدات» و «الفانوس السحري» و «الفرسان الثلاثة»). ويرى غريب أن النهايات السعيدة سيطرت على أفلام فطين عبدالوهاب وهذا يبدو طبيعياً، أولاً لأنه ظهر في زمن كانت السينما المصرية تفضل فيه النهايات السارة وثانياً لكون تلك النهايات هي الأنسب للفيلم الكوميدي، إذ ليس من المعقول أو المنطق أن يظل المشاهد يضحك طوال العرض ثم يغادر دار السينما حزيناً مكتئباً مع كلمة النهاية. واتسمت المرحلة الأولى من سينما فطين والتي امتدت عبر 11 عاماً، بالتوازن الكمي من حيث عدد الأفلام التي قدمها وبلغت 23 فيلماً، كما اتسمت بالتجريب. فهو على رغم ميله الواضح للكوميديا قدم 8 أفلام جنحت إلى الميلودراما والحركة والإثارة مثل أفلام «الأخ الكبير» و «طاهرة» و «الغريب» و «عبيد المال»، وغيرها. فيما اعتبر غريب أن المرحلة الثانية في سينما فطين هي مرحلة نضجه الحقيقي، فقدم فيها 43 فيلماً خلال 13 عاماً، حيث تجلى بوضوح إصراره على تغيير جلده الفني وتأكيد أن تحوله إلى الكوميديا العائلية لم يكن محض صدفة وهذ ما نراه في أفلامه «إشاعة حب» و «الزوجة 13» و «آه من حواء» و «اعترافات زوج» و «مراتي مدير عام» و «كرامة زوجتي» و «عفريت مراتي» و «نص ساعة جواز». وكان واضحاً فيها أيضاً اعتماده على الثنائيات منها شادية ورشدي أباظة أو شادية وصلاح ذو الفقار أو رشدي أباظة ولبنى عبدالعزيز، إضافة إلى أنه كشف بوضوح عن مناصرته لقضايا المرأة. تجديد ما... ويضيف غريب: «وفي إطار رغبته في تجديد شباب نجوم الكوميديا، دفع بمجموعة من الأسماء غير المحسوبة على الأداء الكوميدي مثل يوسف وهبي في «اعترافات زوج» و «إشاعة حب»، وفريد شوقي في «صاحب الجلالة». وأخيراً يرى الناقد السينمائي أشرف غريب أن فطين عبدالوهاب قدم على مدى مشواره السينمائي الممتد من 1949-1972 سبعة وخمسين فيلمًا سينمائياً نال معظمها استحسان النقاد وترحيب الجمهور، وأثبت من خلالها أنه صاحب فكر خاص وأسلوب مميز ومهارة فنية لا يختلف عليها أحد وهي تمثل نقلات ومحطات مهمة في مشواره الفني وعلامات صنعت اسمه في عالم الإخراج السينمائي.