تحاول أم عمر جاهدة البحث عن كراريس ودفاتر فروض ابنها البكر (13 سنة) عندما كان في مرحلة الروضة ليستفيد منها شقيقه الأصغر فادي (4 سنوات)، نظراً الى عدم قدرتها المادية على إدخاله صف الروضة، موضحة أنها مضطرة إلى ذلك خصوصاً أن تكاليف التسجيل تقدّر بنحو 100 دولار شهرياً، وهو مبلغ كبير قياساً إلى دخل الأسرة الذي لا يتعدّى ال600 دولار، وهو راتب زوجها الموظّف الحكومي، والذي يتوزّع على تسديد إيجار المنزل وثمن الغذاء والمواصلات وبدلات الكهرباء والمياه والإنترنت. وتلفت أم عمر، الأم لأربعة أطفال، إلى أنها تمكنت من إرسالها ولدها البكر إلى الروضة لأن الأسرة كانت صغيرة، ويمكنها أن توفّر من الدخل ما يجعلها قادرة على إرسال إبنها الى الروضة. في المقابل، تؤكّد أم أحمد التي تسكن في أطراف العاصمة عمّان، أنها لا تستطيع تسجيل ابنها في أي من رياض الأطفال سواء الحكومية أو الخاصة، بسبب بُعد المسافة من منزلها، فضلاً عن عجزها تحمّل قسط باص المدرسة نظراً الى دخل أسرتها المتواضع. ويكشف تربويون شاركوا في إطلاق وحدة جودة التعليم والمساءلة، الذي نظمته وزارة التربية والتعليم أخيراً في مركز الملكة رانيا لتكنولوجيا المعلومات في عمّان، برعاية وزيرها الدكتور عمر الرزاز، أن 70 في المئة من صغار الأردن لن يستطيعوا الإلتحاق برياض الأطفال، إذا لم توضع حلول ومعالجات مناسبة، مشددين على أهمية ربط المعرفة بالحياة والتركيز على بناء القيم والاتجاهات الايجابية لدى التلامذة. وقال وزير التربية والتعليم السابق العين وجيه عويس خلال المناسبة، «في الأردن مليون طفل دون سن السادسة، أكثر من ثلثيهم لن يستطيعوا الالتحاق برياض الأطفال إذا لم نضع الحلول والمعالجات المناسبة». ووفق الخبير التربوي الدكتور سليمان المهيرات، فإن مرحلة صفوف الروضة مهمة للطفل في صقل شخصيته واحترام فرديته، واستثارة تفكيره، وتشجيعه على التعبير، ورعايته بدنياً، ومساعدته على المعيشة واللعب، وتنمية التذوّق الموسيقي والفن وجمال الطبيعة. ويشدد مدير إدارة التعليم العام في وزارة التربية والتعليم الدكتور صالح الخلايلة على «الأهمية البالغة» لمرحلة الطفولة المبكرة، لأن الأطفال يشكلون شريحة واسعة في المجتمع وهم جيل المستقبل وبناته، مضيفاً أن رعايتهم تُعد من المعالم التي تدلّ على وعي المجتمع ورقيه. وقال إذا تأخرنا في الاستثمار في رعاية الأطفال خصوصاً في الجوانب الإنفعالية والاجتماعية والصحية إلى الصف الأول، فإن مردود استثمارنا ينخفض في شكل كبير جداً، حيث أن كل دينار ينخفض مردوده إلى أربعة أضعاف فقط فيما لو استثمرنا أبكر. من ناحيتها، تظهر اختصاصية الاستشارات الأسرية الدكتورة نجوى عارف أن أهمية رياض الأطفال لا تكمن بالتقدّم الأكاديمي للطفل، بل بتطوير مهاراته الاجتماعية التي يتعلّمها في هذه المرحلة، وبالتالي فهي مرحلة أساسية بنمائه وتطوره. وتبيّن نتائج مسح أحوال الأسرة الأردنية، الصادر حديثاً عن المجلس الوطني لشؤون الأسرة، حول أسباب العزوف عن دمج الأطفال في صفوف الروضة، أن «السبب الرئيس عائد إلى تفرّغ الأمهات لرعاية أبنائهن». ووفق نتائج المسح، فإن «49.7 في المئة من الأسر تعزف عن إدماج أطفالها في رياض الأطفال، بسبب تفرّغ الأم لرعايتهم في المنزل. ويلي ذلك وبنسبة 16.1 في المئة ارتفاع تكاليف الروضة، و8.5 في المئة بسبب عدم وجود روضة قريبة»، فيما تظهر أن نحو «خمس الأسر لا تفضّل من الأساس إرسال أبنائها إلى رياض الأطفال». كما أظهر المسح أن «69.5 في المئة من الأسر أفادت بوجود رياض أطفال تابعة للقطاع الخاص في منطقتها، في مقابل 49 في المئة أفادت بوجود رياض أطفال حكومية في منطقة السكن، فيما اشتكى 45.8 في المئة من صعوبة الوصول إلى مرافق حكومية متخصصة، و31.5 في المئة تعاني من صعوبة الوصول إلى رياض خاصة». وأشار إلى أن متوسّط المسافة بين مكان سكن الطفل والروضة الحكومية يبلغ 2.1 كلم، أما متوسط المسافة للروضة الخاصة فبلغ 1.8 كلم. وحذّر المسح من أن «ما يعرض من خدمات في هذا السياق أقل بكثير مما هو مطلوب». ودعا إلى ضرورة «تعميم خدمات رياض الأطفال، من خلال وزارة التربية والتعليم، وأهمية توعية الأسر بضرورة إلحاق أطفالهم بها في مرحلة مبكرة من تطور صغارهم». ويشير وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد الذنيبات إلى أن آلاف التلامذة في الصفين الأول والثاني لا يقرأون حرفاً ولا يضربون رقماً بآخر في الرياضيات، وذلك نتيجة لما اعتبره عدم إتاحة فرص التعليم المتساوية لأطفال كثر في سن ما قبل الدراسة، ما يحتمّ على الوزارة المعنية والمجتمع والجهات المختصة الأخرى أن تدرك أهمية هذه المرحلة، والعمل على توفير فرص التعليم المناسبة للأطفال فيها. وأكّدت مديرة مديرية الطفولة في الوزارة الدكتور عالية العربيات، أهمية تنمية الطفولة المبكرة ورعايتها نظراً الى ارتباط هذه المرحلة بتطوّر السنوات الأولى من عمر الطفل، والتي تشكّل «المرحلة الاستثمارية من التنمية البشرية»، إذ أظهرت الأبحاث أن نمو الدماغ وتطوّره يكتمل تقريباً في السنوات الأولى من عمر الطفل. وأضافت العربيات أن الوزارة نفّذت برامج ومشاريع عدة كان من شأنها تنمية الطفولة المبكّرة وتطوير القدرات والمهارات لدى الأطفال والأهالي والعاملين في رياض الأطفال، ذاكرة أن في الأردن 1060 روضة حكومية تضم 21104 أطفال و1556 خاصة يرتادها 64359 طفلاً.