غيّبت اللطمات المتتالية على خدود عروس البحر الأحمر، فرحة أهلها بهطول الغيث عقب أن ألفوا البحث عن الغوث عشية كل انهمار لرحمة السماء. ولم يعد المطر مخلفاً للنباتات والحشائش ومدخلاً للبهجة في نفوس سكان جدة، بل أمسى نذير خطر لا يخلف بهجة ولا أنساً. نست المدينة الساحلية معنى المطر وفقد قاطنوها فرحته، ولا وجود للفراشات ولا للأزهار ولا للحشائش بعد أي سحابة تجود بغيثها، فالأرض التي ستستقبل ماءها لم تهيئ نفسها لهذا الضيف الموسمي، ولم تتعلم بعد كيفية إفساح المجال لمياهه حتى تأخذ مجراها الطبيعي، فغيمة واحدة كافية لأن تُغرق شوارعها وبيوتها، ويكون ذلك قضاء وقدراً ورحمة الله أوسع!. الأحياء الواقعة في شرق هذه المدينة الحزينة تئن منذ عام على ذكرى كارثة الأربعاء الأسود ، وعندما لم تستيقظ بعد من صدمتها، هطل «مطر الخميس» ليزيح من طريقه الوعود التي نذرتها أمانة محافظة جدة على نفسها قبل 12 شهراً من الآن، والتي فشلت في طمأنة السكان والتهدئة من روعهم. لم يعد بإمكان التلاميذ اليوم قبل انطلاقهم إلى مدارسهم سوى مراقبة السماء وحركة الغيوم وانتقالها من جهة إلى أخرى، والسؤال عن حال الطقس عبر وسائط الإعلام المختلفة، وعلى الموظفين انتظار أول قطرة تحطها السحب لينّفر الجميع بعدها عائدين إلى بيوتهم تاركين أوقات تحصيلهم وأعمالهم تذهب هدراً، خوفاً على أرواحهم وممتلكاتهم من هجوم مباغت لسيول محتملة لم ير الناس استعداداً جيداً لها من قبل البلديات التابعة لأمانة مدينتهم على وجه الواقع. «قويزة» المنكوب منذ عام، بقي كما هو من دون جهود لتطييب الحال والخاطر، لا شوارع معبدة، ولا تصريف محكماً لما سيأتي به المطر، إضافة إلى انتشار البعوض والحشرات والتي ستنشب أظفارها لا محالة في لحوم السكان خلال أيام كما يصف ذلك فالح المطيري أحد سكان الحي إن لم يتخذ الإجراء السريع لتلافي الأضرار الناجمة عن تساقط الأمطار وتراكم النفايات، وطفح البيارات، ومجاري الصرف الصحي. حيا «التوفيق» و«السامر» ليسا بأحسن حال من «قويزة» وضواحيه، فالناس في تلك الأحياء لم يجدوا وسيلة للنجاة سوى القوارب المطاطية، التي اشتراها بعضهم تحوطاً وتأهباً منذ نكبة الأربعاء الأسود كما يقول فايز الحربي، وأصبح التنقل بها وسيلة حقيقية «حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً». السكان لم يكفوا عن توجيه أصابعهم اتهاماً ولوماً لمن كلفوا بأمانة مسؤولية الحفاظ على جدة، الكل في «محكمة المتضررين» سواء، من قصر وتلاعب، أو تهاون في خلق حلول سريعة وعاجلة لإنقاذ المدينة، وتنفيذ مشاريع إنمائية، وبنية تحتية تحفظ للعروس نظافتها، وتعيد فرحة المطر من جديد بعد أن غيبها سواد الأربعاء، وفاجعة الخميس.