تتحول شوارع جدة، نزولاً عند أمرٍ صادر من خديجة وشقيقتها الصغرى زينب، إلى ساحة للركض واللهث وراء لقمة العيش من طريق امتهان «التسول»، الذي ما إن تنتهي مشاهد مسلسل اليوم عند الحصول على «الحصة» المعتادة (تصل في أحيان كثيرة إلى 100 ريال)، حتى يطل مسلسل غدٍ بمشهد جديد. وعلى رغم صعوبة المهمة التي تنفذها زينب وأختها التي تتطلب توافر عدد من الصفات مثل الذكاء وسرعة البديهة واللياقة البدنية العالية لضمان الهرب من مطاردة الأجهزة الأمنية، إلا أن الفتاتين تجاوزتا غالبية اختبارات «المواقف» بنجاح، واكتسبتا الخبرة اللازمة للحصول على «لقب» متسول مميز على رغم صغر عمريهما. تقول زينب التي لا يتجاوز عمرها الستة أعوام، وتعمل في بيع «العلكة»: «يحضرني والدي مع شقيقيّ بعد العصر من كل يوم لبيع العلكة والمناديل على المارة في شارع التحلية». وتضيف: «تتطلب مهمتي التجول في شكل متواصل بين أرصفة الشارع الواسعة وعند الإشارات المرورية طلباً للمزيد من الزبائن الذين في الغالبية يمنحونني المال من دون شراء شيء من العلكة»، مشيرة إلى أن منتصف الليل هو موعد العودة إلى المنزل، وهنالك تتم محاسبتها وأشقائها، من خلال جرد بضاعتهم والمال الذي حصلوا عليه. الروتين الذي تعيشه زينب لا يختلف كثيراً عن شقيقتها خديجة التي تبدو أكبر سناً منها بقليل، إذ أوضحت أن الحديث للمارة شيء غير مرغوب فيه في عملها، فيتم توبيخها من والدها في حال علمه أنها تحدثت لأحد أثناء ممارستها لعملها، وعلى رغم تلك التحذيرات التي تتلقاها بشكل يومي من والدها قبل نزولها إلى موقع العمل إلا أنها تبادر بالإجابات من دون حرج يذكر. ولا تتوقف رحلات العمل اليومية للأطفال بهدف التسول على زينب وخديجة، إذ أصبح من المعتاد للمتجول في شوارع جدة الرئيسة وجود غلمان وفتيات لم تتجاوز أعمارهم ال10 سنوات ينتشرون على امتدادات تلك الطرقات بحثاً عن المال بالتسول المباشر أو المبطن من خلال بيع بعض السلع البسيطة كالمناديل والمياه والعلكة، وغيرها مما يخف وزنه. وفي محاربته لظاهرة الأطفال المتسولين، أعاد مركز إيواء الأطفال المتسولين التابع لجمعية البر في محافظة جدة 712 طفلاً متسولاً من الجنسين امتهنوا استجداء الناس في شوارع وطرقات المحافظة إلى بلدانهم بالتعاون مع الجهات الأمنية وسفارات بلدانهم. وبحسب سجل بياناته، فإن مركز إيواء الأطفال المتسولين آوى 788 متسولاً ومتسولة في مقره، قدمت لهم الحاجات الإنسانية كافة من تغذية وكسوة ورعاية تربوية وصحية. ويستوعب مبنى مركز إيواء الأطفال المتسولين في جدة أكثر من 500 طفل ويضم قسمين رجالي ونسائي مجهزين ومدعمين بالوسائل كافة المطلوبة، إذ يتراوح متوسط عدد الأطفال المودعين بالمركز شهرياً بين70 إلى 170 طفلاً، ويعمل المركز الذي به طاقم إداري وفني مكون من 14 موظفاً، على مدار الساعة.