سلط حادث الهجوم المسلح على حافلة يستقلها أقباط أمس الضوء على محافظة المنيا (صعيد مصر) التي تمثل متحفاً وسجلاً قديماً للعصور التاريخية التي مرت على مصر، إذ تنتشر في ربوعها الآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية، لكنها تحولت إلى بؤرة للتطرف والتكفير مع سيطرة الجماعات الإسلامية الأصولية في تسعينات القرن الماضي. المنيا التي توصف ب «عروس الصعيد» ليست من بين محافظات صعيد مصر التي تعاني الفقر وتراجع الخدمات، بل تتميز بمزيج من النشاط الزراعي والصناعي، بالإضافة إلى السياحي، ما يدحض اعتقاداً بأن انتشار التكفير مرتبط بالضرورة بالحالة الاقتصادية، كما أن تمدد العمليات الإرهابية من سيناء إلى الدلتا ومن ثم إلى قلب الصعيد، يؤكد أن الحل الأمني لن يأتي بالنتيجة المرجوة سريعاً، ويشير إلى أن التحدي الأكبر في تنفيذ مقاربات تشمل أيضاً تعزيز دور الثقافة والثورة على الخطاب الديني. حادث أمس ليس الأول الذي تجري وقائعه في المحافظة التي تبعد من القاهرة مسافة 241 كيلومتراً، وينتمي إليها 13 قبطياً من بين 20 كان تنظيم «داعش» الإرهابي أقدم على ذبحهم مطلع عام 2015. في أعقاب فض اعتصامي جماعة «الإخوان المسلمين» في رابعة والنهضة، شهدت المنيا وحدها تدمير عشرات الكنائس والمباني والبيوت القبطية التي أعادت الدولة ترميمها خلال العامين الماضيين. وخلال السنوات الأخيرة، جرت في قرى المنيا اشتباكات طائفية على خلفية خلافات على بناء كنائس أو علاقة بين شاب مسلم وفتاة قبطية. وكانت أجهزة الأمن المصرية كشفت أن خلية تابعة ل «داعش»، غالبية عناصرها من المنيا، نفذت تفجيرات الكنائس: البطرسية نهاية العام الماضي، وطنطا والإسكندرية في نيسان (أبريل) الماضي. وإضافة إلى حوادث استهداف الأقباط، شهدت المحافظة هجمات عدة استهدفت مكامن الشرطة، ما يعزز توقعات بأن «داعش» وجد لنفسه موطئ قدم في المنيا. وأكد ل «الحياة» الخبير في شؤون الجماعات الأصولية ماهر فرغلي أن المنيا تمثل «بؤرة للتطرف في صعيد مصر، إضافة إلى محافظة بني سويف (جنوبالقاهرة)»، مشيراً إلى أن «هناك قرى بأكملها يسيطر عليها السلفيون وهي تمثل حواضن للتطرف والتكفير... وهناك خلايا لداعش في الصعيد غالبية عناصرها من المنيا والأمن يلاحقهم، لكنه تمكن من توقيف خمسة فقط من عناصرها». وأوضح أن المنيا «لديها ظهير صحراوي واسع، ما يمثل معضلة للأمن... كما أنها مرتبطة بالطريق الصحراوي الغربي الذي يصل إلى ليبيا... وبالتالي من الممكن للمسلحين التسلل من ليبيا وتنفيذ عمليات داخل المحافظة قبل الفرار والعودة إلى ليبيا مجدداً». وأكد فرغلي أن منفذي عملية أمس «منخرطون في داعش ولديهم اتصالات وروابط مع التنظيم الإرهابي في ليبيا... المعضلة الأمنية في مصر باتت تحتاج إلى حل إقليمي... المسلحون في مصر باتت لديهم امتدادات إقليمية، سواء في ليبيا الجارة أو حتى سورية». واتفق الباحث في شؤون الإسلام السياسي أحمد بان مع ما طرحه فرغلي كون المنيا أحد معاقل الجماعات الأصولية، موجهاً أسهم الاتهامات إلى تنظيم «داعش» بارتكاب مذبحة أمس. وأوضح ل «الحياة» أن «داعش لم يخف نياته في استهداف الأقباط... هذه المنطقة (المنيا) تعج بالأقباط وبالتالي هم هدف... والمنيا تحتفظ بظهير صحراوي ومدقات جبلية تصل إلى الحدود الغربية والجنوبية، وبالتالي هناك سهولة في انسياب هذه العناصر من الحدود وإليها»، مشيراً إلى إمكانية كبيرة في أن يكون منفذو هجوم الحافلة قادمين من ليبيا. وأشار بان إلى أن «مثلث (محافظات) الفيوموالمنيا وبني سويف يعج بالجهاديين وأعضاء الجماعات الإسلامية السابقين وجماعة الإخوان... في ظل السيولة التي تجري في أوساط الحركات الأصولية، ما يؤهل لارتباط بعض العناصر من تلك الحركات بعضها بعضاً وتشكيل خلايا تبايع داعش». ورجح بان «أن المجموعة التي نفذت هجوم أمس إما مرتبطة بخلية الكنائس وتسعى إلى الانتقام لتوقيف بعض عناصرها... أو مجموعة جديدة لداعش تم تشكيلها، ومن ثم تنفيذ العملية ضمن خطتها لإعلان ولاية الصعيد، أو أنها مجموعة جديدة مرتبطة بتشكيلة من العناصر الإخوانية والسلفية».