أبدت الأوساط الاقتصادية الألمانية قلقاً من الأوضاع في تركيا، بعد نتيجة الاستفتاء على الصلاحيات الرئاسية الموسعة التي انتهت بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، بأكثرية ضئيلة لم تعترف بها المعارضة حتى الآن. وأدى ذلك إلى شحن الأجواء السياسية في الداخل بين الأطراف السياسية والقومية المتنازعة، وبين أنقرة والاتحاد الأوروبي، وبينها وبين ألمانيا ودول أوروبية أخرى. ووتّر ذلك أيضاً العلاقات المالية والاقتصادية والاستثمارية المشتركة. وتركت تأكيدات مراقبي المجلس الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية حصول مخالفات لقانون الانتخابات التركي، ربما سمحت بالتلاعب ب2.5 مليون صوت، بصماتها السلبية على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين بروكسيلوأنقرة. ومن الواضح أن باب ولوج تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، أصبح مغلقاً الآن بعد ابتعادها كثيراً من الأسس والمبادئ التي يقوم عليها الاتحاد. ويتزايد اليوم قلق الاقتصاد الألماني واستثماراته الكبيرة في هذا البلد، كونه الشريك الاقتصادي الأهم له مع وجود فروع لنحو 6800 شركة ألمانية فيه، وكذلك بفعل العلاقة الخاصة الناتجة عن وجود جالية تركية كبيرة في ألمانيا تقدّر بنحو ثلاثة ملايين تركي يمارسون أعمال تجارية واسعة بين البلدين. وتحجم الشركات الألمانية عن الاستثمار حالياً في تركيا، ولا تلجأ إلى توسيع أعمالها بسبب قلقها من تراجع العلاقات الاقتصادية بين الجانبين ومن التوترات السياسية الداخلية فيها. وأعلن رئيس اتحاد الصناعة الألمانية ديتر كِمبف في تصريح خاص أدلى به في برلين أمام بعض وسائل الإعلام بينها «الحياة»، عن اعتقاده أن نتيجة الاستفتاء وما تبعه من تفاعلات وتوترات سياسية تقلقه، «لأن وضع صلاحيات مطلقة في يد الرئيس تُبعد تركيا أكثر من المبادئ الأوروبية الرئيسة». ولفت إلى أن تركيا «تعتمد في شكل رئيس على الاستثمارات الخارجية المباشرة التي تراجعت خلال عام 2016 بنسبة الثلث». ومعروف أن تركيا التي وصلت قيمة التجارة بينها وبين ألمانيا إلى 37 بليون يورو العام الماضي، هي أحدى أهم عشرين دولة تتعامل تجارياً معها في العالم. وبالنسبة إلى الأتراك تُعتبر ألمانيا الشريك التجاري الأول لهم في العالم. ورأى كِمبف أن الاقتصاد «يحتاج إلى دقة وثقة، وعلى الرئيس أردوغان السعي إلى ضمان مصلحة بلده ووقف نسف قاعدة الثقة مع الشركاء الأوروبيين». وأفادت مصادر اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية في برلين بأن العلاقات الألمانية- التركية الوثيقة تقليداً «بدأت تشهد منذ العام الماضي، برودة عالية بسبب الوضع السياسي المتلبد في تركيا وجنوح أردوغان إلى اختصار السلطات في شخصه، وإقامة حكم فردي». ولم يغفل رئيس الرابطة الاتحادية للتجارة الألمانية الخارجية أنطون بورنر، «القلق كبير» من نتائج الاستفتاء والتطورات اللاحقة التي تبعد تركيا، في رأيه «أكثر فأكثر عن أهم سوق لصادراته أي عن الاتحاد الأوروبي». ولاحظ أن العلاقات التجارية والاقتصادية «تراجعت كثيراً بين الطرفين خلال الأشهر الماضية». وقال «هذا لا يعني أن الوضع الاقتصادي والمالي في تركيا سيتدهور بسرعة»، لكن «المستقبل مليء بالمحاذير»، على حد ما أشار إليه أيضاً رئيس معهد البحوث الاقتصادية «إي في» ميشائيل هوتر الذي لفت في حوار مع موقع «شبيغل» إلى أن تركيا «تشهد منذ سنوات تضخماً يتراوح سنوياً بين 7.5 و8.5 في المئة». وأشار إلى أن البطالة فيها «تبلغ 10 في المئة، وتسجل تجارتها الخارجية عجزاً متزايداً وقبل كل شيء من تراجع الاستثمارات فيها، ما يفرض دق جرس الإنذار». ولم تثنِ كل هذه الأخطار على الاقتصاد الرئيس رجب طيب أردوغان عن مواصلة تأزيم العلاقات الثنائية مع ألمانيا، إلى درجة أن برلين أصبحت تفكّر الآن جدياً في وقف مشاركة قواتها وطائراتها العسكرية ضمن قوات حلف شمال الأطلسي في قاعدة انجرليك العسكرية التركية والتفتيش عن بلد آخر قد يكون الأردن، ما يعني سحب استثمارات وعتاد وخبرات عسكرية غير قليلة منها إلى بلد آخر.