أعلنت ماليزيا القضاء على الفقر المدقع في كوالالمبور، ونقلت وكالات الأنباء عن وزير الأقاليم قوله: «إن عدد الأشخاص الذين كانوا يعانون من الفقر في العاصمة تقلّص بنسبة 50 % على الأقل خلال مدة سنة»، مضيفاً: «أنه انطلاقاً من العام المقبل، ستزيد الحكومة من إعاناتها الاجتماعية عبر برامج مثل مبيعات المنتجات من البيوت والمساعدات التعليمية وغيرها». قد يقول قائل هذا تصريح حكومي للاستهلاك المحلي أو العالمي، وهو احتمال قائم، وإن تضاءلت نسبته، لسبب سأذكره لاحقاً، لأن الشاشة تبرز تصريحاً لوزير سعودي قبل سنوات، أعلن فيه أنه سيتم القضاء على الفقر «المدقع»، وبالفعل قُضي عليه على الورق فقط، وتراجع الاهتمام الإعلامي به، وإذا تراجع هذا الاهتمام يمكن فهم الواقع، وللعلم فإن عدد الأسر الفقيرة التي تنتظر «فائض الطعام» يومياً بالآلاف، لذا فمن لديه فائض، فعليه التفكير بهم، هل يعتبر هذا ادقاعاً بعرف رسامي خط الفقر؟ ربما سيتجادلون لو طرح عليهم التعريف. المسؤولية في مواجهة الفقر واضحة ومحددة المعالم في ما يتعلق بجهات التصدي المباشرة، إلا أن التفتيش عن أسباب الفقر مسألة مهمة، فإذا اتفقنا أن التعليم والتدريب وفتح الفرص من الأسباب، فمن الواجب ذكر أسباب أخرى فاقمت مستوى الفقر، منها الجشع والاستئثار والاحتكار، هذا يقودنا إلى صحة توجه التنمية بشراكة مع القطاع الخاص، ولا أعمم لكن من كثرة الإنفاق المالي في الطفرة الحالية، لا يلمس الناس أثراً ايجابياً على أحوالهم، بل لم يلمسوا سوى ارتفاع الأسعار والرسوم والدفع في اتجاه الاستهلاك القاتل،، لذا فإن فحص الشراكة مع القطاع الخاص في التنمية وإعادة إصلاحها، لتعم بنفعها أكبر شريحة من المجتمع مسألة ملحة، وليست المشكلة في الشراكة، بل في أسلوبها ومراقبتها، وانظر إلى الخصخصة والاكتتابات والتوطين كنموذج. لماذا أصدق ماليزيا؟ قبل سنوات حينما كنا لا نعرف عن هذا البلد سوى «تنكو عبدالرحمن» أول أمين لمنظمة المؤتمر الاسلامي بغطاء رأس الماليزيين الشهير، التقيت بشاب ماليزي مبتعث لبريطانيا، تحدث لي عن خطة بلاده للتصنيع والتصدير بتفاؤل وحماسة، لا بفخر وانتفاخ، خالطتني الشكوك وقتها، ونحن متشبعون بالوعود، البلد لا يعرف عنه سوى أنه بلد إسلامي في محيط متنوع يصدّر زيت النخيل، لكنني مع ذلك عدت وكتبت مقالات عدة عن حرب الصادرات، الآن تحوّلت ماليزيا إلى مصدر للخبرات والأمل، ألم يكن بإمكاننا فعل مثل ذلك؟ بلى والله، لكننا «ابتلينا» بقطاع خاص عاش واعتاش، ولا يريد أن يعيش سوى على إعانات الدولة، فهو يتصيدها أحياناً مثل صقر، وأحياناً أخرى مثل حدأة.