رفعت مؤسسة «أرشيف الدولة» في إسرائيل الستار عن ملفات حرب عام 1967، لمناسبة مرور 50 عاماً عليها، وسمحت بكشف مداولات الحكومة وقيادة الجيش قبل الحرب وبعدها التي انتهت باحتلال إسرائيلي سيناء والجولان والضفة الغربيةوالقدسالشرقية وقطاع غزة، فضاعفت مساحتها ثلاث مرات. وتضمنت الملفات 150 ألف صورة عن بروتوكولات جلسات الحكومة وهيئة أركان الجيش ومئات الصور والأفلام والتسجيلات الصوتية. وتؤكد الملفات التي كشف عنها ما أشيع منذ تلك الحرب، أن القيادة الإسرائيلية السياسية كانت مسكونة برعب حقيقي، وأنها أخذت في حساباتها احتمال القضاء على إسرائيل في حال شنت الدول العربية بقيادة مصر الحرب على الدولة العبرية. وذكّرت الملفات بأن طلاب المدارس قاموا بحفر آبار وحفر كبيرة للاختباء فيها، فيما شرعن حاخامات مناطق واسعة لتكون مقابر جماعية موقتة. كما قامت الحكومة بتخزين مواد غذائية أساسية تكفي لستة أشهر وأكثر. كذلك تؤكد الوثائق كيف انقلبت الصورة بين ليلة وضحاها، وأن نشوة عارمة بالانتصار لفّت القيادتين السياسية والعسكرية في اليوم الثاني من الحرب التي استمرت ستة أيام. وبيّنت الوثائق الخوف الذي أبداه رئيس الحكومة ليفي أشكول من أن تتعرض مواقع في إسرائيل، خصوصاً في القدس (الغربية)، إلى «مذابح حقيقية»، ليضيف وزير الدفاع موشيه ديان «أن هناك حدوداً لقدراتنا على هزم العرب، لكن لا مفر أمام إسرائيل سوى المفاجأة والبدء بالحرب، لا انتظار هجوم الجيوش العربية»، مشدداً على أن «عنصر المفاجأة يجب أن يكون إلى جانبنا»، وذلك ليس قبل أن يبدي مخاوفه من حشد 200 دبابة مصرية في مقابل مدينة إيلات في الجنوب واحتلالها وتمهيد الطريق أمام الجيش المصري لاحتلال تل أبيب، ليضيف وزير العمل حينذاك يغآل ألون أنه يخشى على مصير القدس الغربية، و «علينا أن نتوقع ما هو أسوأ». وتشدد الوثائق على أن أعضاء هيئة أركان الجيش هم الذين حضوا الوزراء على بدء الحرب والكف عن التردد، في مقدمهم رئيس هيئة أركان الجيش إسحق رابين الذي أبلغ الوزراء بأنه بعد دخول القوات المصرية سيناء وإغلاق مضائق تيران أمام السفن الإسرائيلية «ينبغي تسديد الضربة الأولى في الحرب، وإلّا سيكون خطر حقيقي على وجود إسرائيل، وستكون حرب قاسية وشرسة وخسائر فادحة في الأرواح» (لكن عدد القتلى الإسرائيليين في الحرب لم يتعدَّ 800). وتؤكد الوثائق أن حال الخوف تبدلت في اليوم الثاني للحرب وحلت محلها نشوة في غرفة اجتماعات الحكومة، ليعلن أشكول أنه «ليس ثمة أمل حقيقي لكسر قوة العدو فحسب، إنما أيضاً هي فرصة لفتح آفاق سياسية جديدة لتغيير طابع العلاقات بين إسرائيل والعرب». ويضيف ديان بعنجهية: «بإمكاننا خلال ساعات بلوغ بيروت». وبعد أسبوع من الحرب، أبلغ وزير الخارجية آبا إيفن زملاءه في الحكومة بأنه «لم يحصل في تاريخ الإنسانية نجاح إعلامي كهذا الذي حققته إسرائيل في الحلبة الدولية في الأيام الأخيرة، وأن تتوسع إسرائيل هذا التوسع فيما العالم يصفق لها». وعقدت الحكومة أربع جلسات متتالية لتبحث «ماذا نفعل مع مليون عربي (الضفة الغربية وقطاع غزة)». وكثرت الاقتراحات، وتكاد تكون مماثلة للنقاش الدائر اليوم في شأن ضم الضفة الغربية أو منح الفلسطينيين دولة، أو الترحيل إلى دول عربية وتهجير فلسطينيي القدسالشرقية إلى منطقتي بيت لحم ورام الله، ليقترح وزير التعليم زلمن شارف ترحيل العرب إلى البرازيل. ويضيف أشكول أنه «لو كان الأمر متعلقاً بنا، لرحّلنا كل العرب إلى البرازيل». وقال مدير مؤسسة الأرشيف الدكتور يعقوب لزوبيك للإذاعة العسكرية أمس أن الوثائق تؤكد أن الوزراء كانوا مصدومين من النجاح: «الوزراء أنفسهم الذين خشوا قبل أسبوع فقط على مصير إسرائيل، وجدوا أنفسهم أمام مشكلة عكسية: إسرائيل أصبحت إمبراطورية صغيرة... لم تكن لدى أي منهم فكرة ما العمل الآن، لكن كان هناك إجماع بأنه يجب توحيد القدس بشطريها» في مقابل فحص احتمال إعادة القطاع والجولان وسيناء إلى سورية ومصر في إطار اتفاقات سلام. وأضاف أن جل هم الوزراء، وعلى رأسهم أشكول قبل البدء في الحرب، كان تلقي الضوء الأخضر من الولاياتالمتحدة ورئيسها ليندون جونسون، كذلك كسب تأييد الأممالمتحدة، و «إن أبدوا مخاوف من تدخل سوفياتي عسكري، خصوصاً في الشمال (على الحدود مع سورية)».