قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    إسرائيل تُبقي قواتها في غزة ولبنان وسوريا وتُحيي مشروع التهجير الطوعي    اتفاقية سعودية - فرنسية في مجال التكنولوجيا الصحية    إغاثة سعودية تصل سوريا بطواقم طبية    رئيس الاتحاد الدولي للسيارات: السعودية لعبت دوراً رئيسياً في منح العالم العربي مستقبلاً طويل الأمد لسباقات الفورمولا 1    مليون شتلة بمحايل عسير    أستون فيلا يكشف سبب خطأ عزف النشيد في مواجهة باريس سان جيرمان    الأرصاد: هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    وزارة الثقافة تعلن إطلاق "الخط الأول" و"الخط السعودي" وتطوير تطبيقاتهما الرقمية    نائب أمير منطقة جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة الصحة بالمنطقة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الثالث للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى    ⁧‫أمير نجران‬⁩ يطّلع على تقرير أداء الوكالات المساعدة والإدارات العامة بالإمارة    مهرجان الثقافات بالجامعة الإسلامية يجمع حضارات العالم    5 جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    سعود بن نهار يطلع على منجزات ومبادرات أمانة الطائف    انطلاق منتدى ومعرض للطاقة الشمسية والرياح بجامعة الإمام عبد الرحمن    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    المريخ يصل إلى (الأوج) اليوم    إحباط تهريب 147 كيلوجراماً من الشبو بميناء جدة الإسلامي    المياه الوطنية تشرع في تنفيذ 14 مشروعاً بمنطقة حائل تجاوزت كلفتها 1.2 مليار ريال    الهلال الأحمر بالشرقية ينفذ فرضية لمشروع "معاذ" في جسر الملك فهد    الرياض تستضيف المؤتمر العالمي للأمراض الجلدية 2031 كخطوة رائدة نحو مستقبل الجلدية العالمي    ارتفاع أسعار الذهب    وزارة الخارجية تعرب عن إشادة المملكة بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى    الأمم المتحدة: قوات الاحتلال تقتل أكثر من 71 مدنيًا في لبنان    في ختام الجولة 29 من " يلو".. نيوم للاقتراب من الصعود.. والحزم لاستعادة التوازن    القيادة تعزي ملك ماليزيا    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    رأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة.. نائب أمير مكة: القيادة الرشيدة سخّرت جميع الإمكانات لراحة وطمأنينة ضيوف الرحمن    الأردن يحبط مخططات تخريبية ويوقف 16 متورطاً    جريمة قتل في القاهرة    يعد ضمن النسبة الأقل عالمياً.. 2.3 % معدل التضخم في المملكة    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    حسن عبدالله القرشي.. شاعر البسمات الملونة (2/2)    محمد بن فهد.. موسوعة القيم النبيلة    حارس مانشستر يونايتد على رادار أندية روشن    بعد خسارته في إياب نصف النهائي أمام الشارقة.. التعاون يودع بطولة كأس آسيا 2    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    تغريم 13 صيدلية 426 ألف ريال لمخالفتها نظام "رصد"    «المظالم»: إنجاز قضائي لأكثر من 46 ألف دعوى    السجن خمس سنوات لمواطنٍ بتهمة الاحتيال المالي    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.316 سلة غذائية في محلية مروي بالولاية الشمالية في السودان    جامعة عفت تطلق مهرجان السينما الدولي للأفلام    تعليم الباحة يطلق جائزة الشيخ الدرمحي للتميز التعليمي    "بينالي الفنون الإسلامية 2025" يواصل استقبال زوّاره في جدة    إجراء قرعة دوري الإدارت الحكومية لكرة القدم 2025 بمحافظة حقل    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    انطلاق أعمال الدورة ال47 للجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية    الأخضر تحت 17 عاماً يعاود تدريباته استعداداً لنصف نهائي كأس آسيا    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    مؤتمر القدرات البشرية.. مجمع الملك سلمان يقدم ثلاث مبادرات نوعية    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    بخيل بين مدينتين    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    الحقيقة التي لا نشاهدها    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زئيفي اقترح قيام «دولة اسماعيل» عاصمتها نابلس.. باستثناء غزة وقضم القدس والخليل
بعد أيام من هزيمة 67 .. وقبل إطلاق غول الاستيطان في الضفة
نشر في الرياض يوم 31 - 10 - 2010

قبل ثلاث سنوات عقد الكنيست جلسة خاصة لإحياء الذكرى السادسة لمقتل الوزير رحبعام زئيفي (غاندي) ، في تلك الجلسة قال رئيس الحكومة آنذاك ايهود اولمرت ان زئيفي نفسه كان من الأوائل الذين طرحوا فكرة إقامة دولة فلسطينية. وبحضور ابني زئيفي قال أولمرت في خطابه "بعد يومين أو ثلاثة من اندلاع حرب الأيام الستة يقصد (عدوان 1967) سارع اللواء رحبعام زئيفي ، الذي كان مساعداً لرئيس شعبة العمليات بهيئة الأركان ، حينها الى تقديم خطة لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها نابلس، بل وسماها دولة إسماعيل".
والأمر المثير في ذلك هو دعوة (غاندي) بسرعة العمل على إقامة هذه الدولة محذراً – وأنا هنا أنقل نصاً – من "إن استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية لفترة طويلة سيزيد من حدة الكراهية ويوسع الفجوة بين سكان الضفة الغربية و( إسرائيل) وذلك بسبب الخطوات التي سنضطر لاتخاذها لحفظ الأمن والنظام هناك".
ما سبق قيل قبل شهر من اجتماع أنابوليس ، حينها هاجم نواب أحزاب اليمين رئيس الحكومة (أولمرت) عندما أخذ هذه الجزئية من أقوال زئيفي.
وبعد سنتين وفي ذات المناسبة – وهي ذكرى مقتل الوزير زئيفي – وفي جبل هرتزل بالقدس تحدث رئيس الدولة شمعون بيريز عن خطة لإقامة "دولة إسماعيل". وأعاد بالضبط ما سبق أن تحدث عنه أولمرت. بل أنه ذكر ما قاله زئيفي حول الكراهية التي ستنشأ في ظل الاحتلال. وقال بيريز في نهاية خطابه "لقد بحث غاندي التغييرات التي طرأت على الخارطة الجغرافية والديموغرافية ، وأصبح اقتراحه الذي طرحه في يونيو (حزيران) من العام 1967 الآن أساساً لخطة أخرى".
وهذه المرة أيضاً تداعى نواب اليمين في الكنيست ضده ، وقال النائب ميخائيل أري من حزب الاتحاد "لقد أهان رئيس الدولة غاندي عندما جعله من جماعة (السلام الآن) ، وزعم أن غاندي أيد إقامة دولة فلسطينية". وأضاف أري "إن هوس بيريز أدى الى كارثة أوسلو ونتائجها المميتة ، وشوّه التاريخ ليدعم أكاذيبه".
عملياً كان الواقع الى جانب أولمرت وبيريز. فخطة زئيفي لإقامة "دولة إسماعيل" – الوثيقة مكونة من أربع صفحات – بقيت طوال هذه السنوات في أحد ملفات أرشيف الجيش. و لم يسبق أبداً أن نُشرت بالكامل ، ما عدا الحديث عنها في مناسبات مختلفة. ولكن عندما ندقق في تفاصيلها يتضح أنه من لا يمكن اعتبارها خطة سلام حمائمية تتضمن اعترافاً بالحقوق القومية للفلسطينيين. فعنوان الخطة التي رُفعت لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش آنذاك إسحاق رابين بعد خمسة أيام من انتهاء حرب العام 67 كان "اقتراح لتسوية سياسية لوضع الضفة الغربية". وفي بداية وثيقته قال زئيفي "إن هذا الاقتراح كان ثمرة محادثات مطولة جرت مؤخراً ، وكُلفت أنا تقديمه". ويضيف زئيفي "هذا الاقتراح لا يتضمن حلولاً ممكنه لقطاع غزة لان هذه المنطقة تحتاج لدراسة منفصلة".
طوال أيام الحرب ولأشهر تلتها شغل رحبعام زئيفي منصب مساعد رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان عزرا وايزمان. وكان عمله التنسيق بين الجيش والموساد وعدد من الأجهزة الأمنية الأخرى التي لها علاقة بتقديم الدعم العسكري وتكوين علاقات مع عدد من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا. وبحسب الضابط تسوري شنكين الذي عمل في شعبة العمليات تحت رئاسة زئيفي ، فإن مهمة رحبعام زئيفي جعلته يفكر في بلورة خطته السياسية. وقال "إن مهمته جعلته على علاقة مباشرة بالعديد من المواضيع البعيدة عن الشأن العسكري والحروب. وهذه الأجواء دفعته أيضاً لإبداء عددٍ من المبادرات المتعلقة بالدول العربية وبمستقبل سكان الاراضي الفلسطينية". ويقول شنكين الذي كان من المقربين لرحبعام زئيفي أنه لم يسمع إطلاقاً بخطة "دولة إسماعيل" إلا أنه أكد أن "غاندي كان رجلاً ذا عقل متفتح وتفكير خلاق".
وبحسب اقتراح زئيفي هذا فإنه يجب إقامة "دولة عربية مستقلة على جزء من أراضي الضفة الغربية ضمن اتفاقية مع إسرائيل تضمن حقوق الطرفين. وتُسمى هذه الدولة دولة إسماعيل لا فلسطين حتى لا تكبر شهيتها وممثليتها".
وتحت فقرة "التنفيذ" كتب زئيفي "إن المسارعة الى إصدار قرار بهذا الشأن وتنفيذه حتى بدون الاستعداد إدارياً وتنظيمياً مهم جداً للمسوغات التالية: القيادة العربية تعاني حالياً من وقع الهزيمة وتوقف التحريض من دمشق والقاهرة. صمت القوى العالمية والأمم المتحدة حتى هذه اللحظة وعدم التصريح بأي شي واضح حول الموضوع". وكان المسوغ الأخير هو حديثه عن الكراهية والفجوة التي ستنشأ في ظل الاحتلال التي نقلها عنه كل من اولمرت وبيريز.
أما وزير (الدفاع) موشيه دايان فقال أمام ضباط القيادة العامة للجيش بعد أسبوعين من إنتهاء الحرب "أنا لدي يقين تام بما قالته وتقوله حكومة إسرائيل ، وأننا سنبقى في هذه الاراضي الفلسطينية ما لم يوقعوا معنا اتفاقية سلام" ، وأضاف دايان "لا أعتقد أن يوقع معنا أحدهم اتفاقاً كهذا".
وكان الموقف الرسمي الإسرائيلي الذي أعلنه رئيس الحكومة آنذاك ليفي اشكول في خطابه أمام الكنيست عقب الحرب هو أن إسرائيل ليست معنية باستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية ، وإنما حالما تُجرى مفاوضات مباشرة تُفضي الى تسوية سياسية واتفاق سلام فستسحب كل قواتها من هناك. غير أن هذا التصريح رافقه قول ضبابي وهو "نقول لدول العالم لا يخطر ببالكم بأن إسرائيل مستعدة للعودة الى الوضع السائد قبل سبعة أيام ، فقد حاربنا لوحدنا لحماية وجودنا وأمننا ونحن نستطيع أن نقرر ما هي المصالح الحقيقية والحيوية لدولتنا ، وكيف نؤمن مستقبلها. الوضع السابق لن يعود".
وتم الاتفاق خلال اجتماعين للجنة الوزارية الأمنية بالكنيست عقدا بعد الحرب بأيام على أن إسرائيل ستطالب ضمن أي اتفاقية مستقبلية إدخال تعديلات على الخط الحدودي مع سورية في الأراضي منزوعة السلاح وفي منطقة بانياس ، وستتفاوض مع الأردن حول القدس ، وما تبقى من أراضي قطاع غزة سيبقى في يدنا طبقاً للحدود الدولية القائمة. وقد صادقت الحكومة على قرارات هذه اللجنة الوزارية في جلستها الأولى التي تلت الحرب في التاسع عشر من يونيو.
ولكن كانت الفرضية الأبرز لدى القيادة هي أن إسرائيل ستُضطر للانسحاب من المناطق الفلسطينية حتى بدون اتفاق تحت ضغط دولي ، كما حدث بعد عملية سيناء. و قال أوري افنيري ان النائب حاييم تسادوك في معرض إجابته عن سؤال طُرح عليه "أنظر هذا سهل جداً ، إذا استطعنا البقاء فسنبقى في كل الأراضي ، سنحتل الكل ، وإذا ضُغط علينا سنحاول ضم ما نستطيع عليه ، وإذا كانت الضغوط أكبر سنُعيد كل شيء". ولذلك أرسل رئيس الحكومة ليفي اشكول رسالة لرئيس هيئة الأركان في السادس والعشرين من يونيو يسأله فيها عن الوقت الذي سيستغرقه الانسحاب من المناطق المحتلة ، وهل الأمر يتطلب أسابيع أم شهوراً.؟
إن خطة اللواء زئيفي وُلدت إذاً من الفراغ السياسي. ففي الأيام الأولى التي تلت الحرب لم يتحدث المستوى السياسي عن مستقبل الأراضي المحتلة. وكذلك امتنع قادة الدولة قبل الحرب عن إيضاح أهدافهم ، وما هو الحل المقترح للصراع. ولم تتضمن جميع بروتوكولات جلسات الحكومة ووزارة (الدفاع) في تلك الفترة والتي سُمح للجمهور بالاطلاع عليها أي إشارة واضحة لمستقبل المناطق وسكانها بعد الحرب.
الجيش جاهز
أما الجيش فكان على عكس السياسيين ، فقد كانت له خطط جاهزة في الأدراج. وفي حال فشل الخطط العملية التي أعدها ، أعد الجيش خلال سنوات نظاماً عسكرياً لإدارة الأراضي المحتلة. فالى جانب التجربة المتراكمة للحكم العسكري لمواطني إسرائيل العرب حتى العام 1966، تعلم قادة الجيش الكثير من فترة الاحتلال القصيرة لقطاع غزة بعد حرب سيناء. وبعد هذا الاحتلال الذي استمر خمسة أشهر فقط وضع الجيش في بداية الستينيات عدداً من التقارير والأوامر التي تشمل وجهات نظر عديدة لطريقة العمليات العسكرية في الأراضي المحتلة.
التقرير الأخير نُشر قبل حرب 1967 بعدة أشهر وكان قائماً على مادة نظرية وخاصة فكرة "إقامة حكم عسكري في المناطق المحتلة" والتي تم نشرها في الدورة الثانية لمعهد علوم الدولة في العام 1964. وتضمنت هذه الوثيقة عدداً من المبادئ التي وجهت سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة لعشرات السنين.
وحددت الوثيقة الطريقة الأهم للسيطرة وهي طريقة "الثواب والعقاب". وفي قائمة "الثواب" أوصى معدو الوثيقة بضرورة رفع الحدود التي فُرضت. وإصدار رخص لإنشاء وتشغيل المشاريع التجارية. وتوفير فرصة عمل للعاطلين ، وفتح فرص التعيين في مناصب قيادية ، وإعطاء الأولوية للسكان في استعادة أملاكهم أو التعويض عنها. أما قائمة العقوبات فقد أوصى فيها أصحاب الوثيقة باستخدام الاعتقال الإداري ، والإقالة من المناصب ، وتفتيش المنازل.
كذلك من التوصيات الواردة في الوثيقة ضرورة استغلال طريقة "الثواب والعقاب" لإيجاد قيادات متعاونة (عميلة للاحتلال). كذلك من أهداف هذا الأسلوب هو إقناع الزعيم نفسه بأنه من الأفضل له أن يتعاون ، والأكثر من ذلك فان عدد المتأثرين به يُقاس به مدى قوة تأثيره ، لذلك كان لزاماً منح مؤيدي هذا الزعيم (المتعاون) المزيد من الامتيازات.
وبنفس الطريقة يتم التعامل مع الرافضين "عندما يتم القرار إسقاط زعيم وتشويه صورته لعدم التعاون فلن يتم الاكتفاء بمنع الامتيازات الخاصة عنه وعن أتباعه. بل يجب التفتيش بين أتباعه الذين يمثلهم عن مرشح تواق للزعامة وتدليله بالامتيازات ، وتفضيله بالزيارات الخاصة له وهكذا". أيضاً أوصى معدو الوثيقة بضرورة استغلال أي هفوة أو سقطة للزعيم لا يعرفها الجمهور كورقة ضغط لإجباره على التعاون ، وخاصة تلك التي لا تتعلق بالأمور الأمنية. فالتهديد بمقاضاة الزعيم إذا لم يتعاون لها أثر أبلغ من معاقبته فوراً.
حدود مثالية
بعد أسبوعين من الحرب قال موشيه دايان في اجتماع مغلق لضباط القيادة العسكرية العامة للجيش "الانجازات الجغرافية ، والعسكرية والسياسية لهذه الحرب حققت الحد الأعلى لأحلامنا ، وهو الاعتراف بحدود مثالية لدولة إسرائيل. لو أن شخصاً ما أخذ فرشاة لتحديد ما أوسع حدود يقترحها لدولة إسرائيل لن يستطيع الوصول ولو لكيلومتر واحد أكثر مما وصل إليه الجيش في هذه الحرب".
وفعلاً ، فبالنظر لبروتوكولات جلسات هيئة الأركان العامة قبيل الحرب يتضح أنه حتى أكثر الضباط تفاؤلاً لم يؤمنوا بأن الجيش سيحقق إنجازاً كهذا لإسرائيل في ستة أيام. ولكن جهاز السيطرة على المناطق التي تم احتلالها بدأ عمله بسرعة ، وذلك بأمر من النائب العسكري العام مائير شمغار ، الذي بادر في أعقاب الحرب مباشرة الى إصدار أربعة أوامر وثلاثة بيانات حول طريقة إدارة وحكم المناطق المحتلة ، وتم نشر هذه البيانات والأوامر بين السكان. وفي نفس اليوم تم تعيين ثلاثة قادة عسكريين في الادارة الجديدة للمناطق المحتلة ، وهي سيناء ، وقطاع غزة والضفة الغربية. كذلك طالب مديرو الادارات بوزارة الدفاع في ختام جلسة نقاش لهم بضرورة مناقشة تنظيم وترتيب أعمال الجيش في المناطق.
وزير (الدفاع) آنذاك موشيه دايان تأخر قليلاً عن المستوى العسكري. فبعد يومين من انتهاء المعارك في الثاني عشر من يونيو 1967عقد دايان اجتماعاً تشاورياً في مكتبه لبحث موضوع الاراضي المحتلة. وشارك في هذه الجلسة التشاورية رئيس هيئة الاركان العامة اسحاق رابين ، ومساعد رئيس شعبة العمليات زئيفي ، ورئيس شعبة المخابرات في الجيش أهارون ياريف ، واللواء حاييم بارليف ، ورئيس هيئة الاركان السابق تسفي تسور الذي كان مساعداً لدايان. وتم خلال تلك الجلسة استعراض مخطط مكون من ست نقاط لخطة سياسية أعدها قسم الدراسات والأبحاث في شعبة المخابرات العسكرية قبل أيام من عقد هذه الجلسة التشاورية. وذُكر خلال الاجتماع أن إسرائيل تؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. وبحسب رأي قسم الدراسات والأبحاث فانه يكفي عدم السماح للدولة الفلسطينية العتيدة بامتلاك قوة عسكرية ، وتصبح القدس القديمة (المحاطة بالاسوار) مدينة مفتوحة.
وفي ختام الجلسة طلب رئيس هيئة الاركان رابين من اللواء زئيفي دراسة الظروف الجديدة التي طرأت للتوصل الى تسوية سياسية. وقدم زئيفي اقتراحه باقامة "دولة إسماعيل" في الخامس عشر من يونيو . وبحسب هذه الخطة فسيتم ضم كل من القدس الشرقية وجبل الخليل وغور الاردن وجيب اللطرون الى دولة إسرائيل. وبقية أراضي الضفة تُخصص ل "دولة إسماعيل". وأوضح زئيفي في وثيقته "ان اللاجئين العرب من 48 في منطقة جبل الخليل وبقية الاماكن التي يتم ضمها لاسرائيل يتم نقلهم الى "دولة اسماعيل"، وحول الشأن الديموغرافي قال زئيفي "إن ضم منطقة القدس سيجلب معه بالتأكيد شريحة كبيرة من السكان العرب ، لكن هذا مهم لمبررات أخرى".
وبحسب هذه الخطة فإن "دولة اسماعيل" ستضم غالبية سكان الضفة الغربية العرب ، سواءً المقيمين الدائمين فيها أو من سيتم ترحيلهم من جبل الخليل". أي هذه الدولة المقترحة سيكون عدد سكانها حوالي 623 ألف نسمة. أما بقية ال 260 ألف وهم سكان الاراضي التي تم احتلالها وخاصة سكان القدس والخليل فسيكونون تحت السيادة الاسرائيلية.
وقد فسر تسوري شنكين جزئياً استعداد زئيفي لضم عرب الخليل وما حولها بالقول "لقد اعتقد زئيفي بأنهم يهود ، وفكرته هذه لم تكن ملزمة ، بل مجرد خاطرة أبداها أكثر من مرة ، فقد كان دائماً يتحدث عن الأصول اليهودية لسكان الخليل ، وضرورة أن تساعدهم الدولة للعودة الى يهوديتهم".
وبعد وقت قصير ، قرر زئيفي إعادة صياغة اقتراحه ، واعتبر ما سبق أولياً لأنه صيغ دون النظر الى الخطوط السياسية للمسؤولين الأعلى منه ، كذلك لم يتضمن هذا الاقتراح الأولي أي تفاصيل مهمة حول الموقف الدولي ومدى استقلالية الكيان السياسي الذي يتحدث عنه. وبشكل عام فقد حدد زئيفي أن "مسؤولية الأمن والسياسة الخارجية لدولة إسماعيل ستكون بيد إسرائيل. وهي المسؤولة أيضاً عن السيطرة على المناطق العسكرية التي تركها الجيش العربي الأردني". وأقترح زئيفي كذلك السماح ل "دولة إسماعيل" باستخدام موانئ إسرائيل بحرية ، وفتح معبر حر للسكان للتنقل لسكان الدولتين ولكن بشرط وهو عدم السماح ل "الاسماعيليين" بالإقامة الدائمة في دولة إسرائيل.
وجهد زئيفي مع ذلك الى التحدث بالتفصيل عن حدود "دولة إسماعيل" ورسم خريطة لها فخطها الحدودي الشمالي رسمه بحيث يُبقي مطار قلنديا (بين القدس ورام الله) تحت السيطرة الاسرائيلية. كذلك أبقى خط الحدود الغربي منطقة غور الاردن بيد اسرائيل باستثناء نقطتين وهما أريحا ومعسكرات اللاجئين المحيطة بها وذلك حتى لا تضطر اسرائيل الى استيعاب هؤلاء داخلها ، ومدخل وادي "بارعاه" الذي توجد فيه أيضاً تجمعات كبيرة لللاجئين. أما جيب اللطرون فتم ضمه لاسرائيل ، وتوجد في هذه المنطقة أربع قرى عربية (لم تضم اسرائيل جيب اللطرون اليها حتى الآن ، الا أنه تم تهجير سكان القرى خلال الحرب وتدمير القرى بالكامل).
وقدم زئيفي أيضاً اقتراحاً بديلاً للحدود المرسومة في الخريطة المقترحة ، فقد أوصى بتوسيع سلطة اسرائيل على الارض على حساب "دولة اسماعيل" ، غير أنه قال انه هذا الاقتراح يعيبه أمران ، الاول هو أن ضم المزيد من الاراضي يعني زيادة عدد السكان العرب في اسرائيل. والامر الثاني هو أن هذا الاجراء يقلص من مساحة أرض الدولة العربية وهذا الامر لم يكن مقبولاً لدى الزعماء العرب.
وبحسب أوري افنيري الذي كان آنذاك نائباً في الكنيست فإن اقتراح زئيفي المشابه لاقتراحات قدمها ضباط في هيئة الاركان العامة المؤيدين لاقامة دولة فلسطينية مستقلة بدون تسوية سياسية مع الاردن ، كان نابعاً من الخوف أنه في حالة توقيع اتفاق سلام يضمن اعادة الضفة الغربية للسيادة الاردنية ، فان هذا سيعيد اسرائيل الى الواقع الامني الخطير الذي كان موجوداً عشية الحرب. وقال افنيري "لقد فضل هؤلاء دولة فلسطينية صغيرة وضعيفة تكون بجوارنا بدلاً من جبهة شرقية كاملة تتواجد فيها قوات أردنية وعراقية وقوات أخرى مساندة". وبحسب أفنيري فان اللواء يسرائيل تال ،الذي توفي هذا الشهر، كان من أنصار فكرة اقامة دولة فلسطينية دون التنسيق مع الاردن وكذلك اللواء ماتي بيليد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.