اليوم عرسك    رياح مثيرة للأتربة والغبار على الشرقية والرياض والمدينة    "المركزي الروسي" يرفع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    إتاحة تخصيص عقارات الدولة لأكثر من جهة حكومية    السجن مدى الحياة ل«مغتصب التلميذات» في جنوب أفريقيا    خوفاً من الورثة.. مغربية تحتفظ بجثة والدتها !    6 توصيات لتعزيز الهوية الثقافية ودعم الاستثمار في تعليم اللغة العربية محلياً و دولياً    إسرائيل تقصف الضاحية.. مصير خليفة نصر الله غامض    ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    هل أوقف الاتحاد الدولي المُلاكمة الجزائرية إيمان خليف وجردها من ألقابها ؟    الفتح يختتم تحضيراته لمواجهة التعاون    في مباراة الفريق أمام الرياض .. القادسية يحتفي بوزير الإعلام "الدوسري"    عبدالعزيز بن سلمان يشارك في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة    الخليج يعبر الخلود بهدف في دوري روشن السعودي للمحترفين    ميندي يوجه رسالة لجماهير الأهلي    مدرب القادسية يُفسر الخسارة أمام الرياض    الشباب يتعرض للخسارة أمام ضمك    الجيش الأميركي يعلن قصف 15 هدفا للحوثيين في اليمن    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    جمعية الأدب تعتمد 80 سفيراً في 30 مدينة    الهيئة السعودية للسياحة تطلق تقويم فعاليات «شتاء السعودية»    تعليم مكة : 1485 مدرسة تحتفي بأكثر من 30 ألف معلم ومعلمة في يوم المعلم    لوحة «ص ق ر 2024» لمركبة «المرور» تلفت أنظار زوار «الداخلية» في معرض الصقور والصيد    القبض على (4) يمنيين في جازان لتهريبهم (120) كجم "قات"    الجيش الإسرائيلي يستعد لتوسيع عملياته البرية في جنوب لبنان    رصد طائر «سمنة الصخور الزرقاء» في الحدود الشمالية    الوطنية للإسكان NHC تكشف مزايا ومكونات حديقة خزام الكبرى شمال الرياض    انطلاق حملة الحي يحييك للاحياء السكنية بالمنطقة الشرقية    تعرف على غيابات الأهلي عن الكلاسيكو أمام الهلال    ب 3 مناطق.. مركز «911» يتلقى 98 ألف مكالمة خلال 24 ساعة    تجمع الرياض الصحي الأول يكرم 14 استشارياً    إمام المسجد النبوي: آية ((إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) تحمل في طياتها معاني عميقة    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أثر الشخصية واللغة والأمكنة في رواية «الصريم» لأحمد السماري    أحلام على قارعة الطريق!    «زلزال الضاحية».. ومصير حزب الله    الشاهي للنساء!    غريبٌ.. كأنّي أنا..!    كتب الأندية الأدبية تفتقر إلى الرواج لضعف التسويق    محافظ الطائف يلتقي مدير جمعية الثقافة والفنون    90 مبادرة لأمانة الطائف تعزز الوعي البيئي وتدعم الاستدامة الخضراء    أمانة الطائف توقع عقد إنشاء مشروع (قبة الفراشات) بمساحة ٣٣ ألف م٢    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    معالي وزير العدل    اختتام مشاركة الهلال الأحمر في المعرض التفاعلي الأول للتصلب    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    تثمين المواقع    مملكة العز والإباء في عامها الرابع والتسعين    وزير الداخلية يعزي ذوي شهيد الواجب أكرم الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطب التسوية اللبنانية لاتسووية
نشر في الحياة يوم 31 - 12 - 2010

يتبادل أطراف السجال اللبناني المجادلة في ضرورة التسوية السياسية، ويحجمون عن تعريفها، وعن تفصيل بنودها وترتيبها وشرحها، ويتقاذف الفرقاء مسؤولية تعطيل الوصول إلى هذه التسوية، من دون تحديد منطلقاتها ومساراتها، ومن دون الإشارة إلى العقبات التي تعترض سبيلها، وإلى الآليات المقترحة لتجاوز هذه العقبات. الإبهام والعمومية صارا الناطقين باسم التسوية، مما يدفع إلى الظن بأن المطروح لا يتعدى مسلك التلفيق الإعلامي، والتشهير الإعلاني، الذي يعطل الحياة السياسية راهناً، ويرشحها لمزيد من التعطيل، في المستقبل المنظور.
سند الإبهام المعتمد احتقار «الرأي العام» من جهة، ولامبالاة «الجماهير» من جهة أخرى. أساس الاحتقار السياسي للرأي العام، أن هذا الأخير غائب عن جدول أعمال الأطراف السياسية، وليس وارداً لديهم، عندما يدققون في «تقدير الموقف»، وفي حسابات القوى، لأسباب لبنانية معروفة ومفهومة، لا يتوقف السياسي الطائفي حالياً إلا أمام صورة جمهوره الخاص، ولا يعطي اهتماماً إلاّ لحيزه الضيق. كل ما هو خارج حدود المنطقة «العازلة» طائفياً، كمٌّ مهمل، لأن حسابات الربح والخسارة، تدور ضمن جغرافيا الأسوار الطائفية المغلقة. تسهل مهمة إهمال الآخر، وتركيز الانتباه فئوياً على الذات، بسببٍ من عوامل تضافر وعي الجمهور المتدني وطنياً، مع وعي «الزعيم» المدقق فئوياً. عوامل التضافر التي تصل إلى حد التماهي، تصنعها سياسات التعبئة والاستقطاب الحاد، والتخوين والاتهام والتكفير، إذا ما اقتضى «الأمر الطائفي» ذلك.
تحت سقف الوقائع الطائفية، المنفلتة من عقال المنطق السياسي الوطني، البديهي، وانطلاقاً من توزيع مسؤولية «العطالة الوطنية» على الجميع، تظل النظرة التمييزية إلى خطب الطوائفيات حول التسوية ضرورية، مع الاحتفاظ الضروري بفهم هذه الخطب، وبإدراك معاني سلوكياتها السياسية، المختلفة والمؤتلفة، في الوقت ذاته.
لقد حفلت المدة الزمنية المنصرمة، بكلام فريق لبناني هو فريق 14 آذار، ندّت عنه «همهمة تسوية»، وقد سمع الجمع الأهلي ورأى ما يشير إلى النوايا التي تقصد عملاً تسووياً، مما يستوجب الاستماع الجيد، والتحليل الهادئ، وإنْ من موقع الحذر، الذي ينتظر اقتران الأقوال بالأفعال.
لقد افتتحت مسيرة الكلام التسووي، من قبل الفريق المعني، بتكليف رئيس الوزراء الحالي بتشكيل الحكومة اللبنانية. حمل التكليف يومها، وما زال، معنى الانتقال السياسي من موقع الفريق، ذي المطالب الخاصة، إلى موقع «الرسمي»، الذي يتضمن بالتعريف، مغادرة الخصوصية. لقد أملت التطورات اللاحقة تطوير الكلام التسووي، أو على الأصح الإكثار منه، فكانت تصريحات من قبيل سحب الاتهام بالاغتيال السياسي الذي كان موجهاً إلى سوريا، ورفض اتهام حزب الله، قيادةً وتنظيماً، بالمشاركة في الواقعة الدامية، وإعلان التوجه إلى رفض أي قرار قضائي دولي لا يستند إلى وقائع ومعطيات ثابتة ودامغة وغير مطعون في صدقيتها... وإلى ذلك، رفض استخدام «المحكمة الدولية» وسيلةً لتصفية حسابات داخلية لبنانية، أو حسابات خارجية إقليمية. حتى الآن، لم يقع الخطاب التسووي، المذكور موقعَ قبول لدى المقصود بالخطاب، الذي هو فريق الثامن من آذار، بل إن ما صدر عن هذا الفريق حتى تاريخه، اتخذ منحى معاكساً، إذ حدد سقفاً سياسياً عالياً، ولم يقدم ما يساهم في تخفيض علو شروطه. لم تغب عن المقاربة «الآذارية» هذه كلمةُ التسوية، ودائماً على سبيل التعميم، ومن دون كتابة بنودها كتابةً علنية، كذلك سيقت في معرض مطالبة الفريق «الخصم» بالإقدام على فعل التسوية، عبارات غائمة، لم تحدد ما هي الخطوات الاقترابية المطلوبة، حتى يتسنى للجميع الجلوس إلى طاولة حوار تسووي جاد.
لا بد من ملاحظة اختلاف اللغة التعبيرية، وعلو النبرة وخفوتها، ففي مواجهة اللسان الدافئ، يقوم لسان لاهب، وفي سياق الحديث عن الاحتكام إلى المؤسسات وملاحقها القانونية والدستورية، يجري حديث مختلف له أحكامه ومرجعياته الخاصة. في المحصلة، ينجلى المشهد عن تعطيل شامل للتسوية، التي يعلن الجميع الحاجة إليها، وعن تهميش المؤسسات، التي يدّعي «الجمع» الحرص على استقامة أحوالها، وعن إرجاء «الدولة»، التي يريدها البعض سيدة وحرة ومستقلة ويريدها البعض الآخر قوية وقادرة وعادلة! استعصاء الوضع اللبناني على الحل، في ظل السجالات الطوائفية، وضمن غرف الحديث الخلفية، يفرض الانتقال بالبحث من إعلانات الطوائف الظاهرة إلى مقاصدها الخبيئة. هذا الانتقال، بحد ذاته، يشكل ضرورة وطنية، لأنه لا يمكن ترك المشهد نهباً للغة طائفية واحدة، ذات ألسنة ناطقة متعددة. يكمن خلف ظاهر السياسي التسووي قصدٌ طائفي ومذهبي، لا يسعى إلى لقاء «الآخر» في منتصف الكلام، بل يرمي إلى تغيير معادلة الحروف والعبارات، وإعادة تصنيع «الطاولة الوطنية»، والتحكم بتوزيع المقاعد حولها. لو كان الأمر غير ذلك، لأدلى فرقاء «اللاتسوية» بملاحظاتهم، حول النواقص التي عاينوها في خطب نظرائهم من المخالفين، ولاقترحوا بدائل تكون مفتوحة بالضرورة على بدائل، بحيث يكون الانفراج مآلاً أخيراً للعملية الحوارية التسووية. ما هو مقصود من أطراف المنازعة الداخلية، يقتصر على تغيير قواعد الحكم، تمهيداً للتحكم بوجهة سير «الوطن»، وما هو معروض يرقى إلى طلب التسليم «بالتغيير» طوعاً، قبل أن يفرض التغيير قسراً، هكذا يحشر الوضع كله في عنق زجاجة الاستسلام من قبل فريق إلى فريق آخر، وهكذا تطلب فئة نصراً لم تحرزه، فتفرض على الفئة الأخرى هزيمة لم تلحق بها.
خارج ذلك، لا بد من العودة إلى الاعتقاد، أن التسوية لا تأتي إلا من خارج قوى التوازنات الحالية. التسوية الأخرى لها عناوينها، التي منها: الوطن الغالب، والمواطن الحر، والدولة السيدة، والقانون الفيصل، والطائفيات الملجومة، والمذهبيات المحاصرة... أي كل ما يتناقض وأرباب الكلام الراهن، الذين لا يتعرفون إلى أي وطن رحب، خارج أوطانهم المرسومة بإتقان.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.