أقدم مخطوطة نجدية منسوخة باليد تم العثور عليها حتى الآن، هي لكتاب «الإفصاح عن معاني الصّحاح»، الذي عني بشرح صحيحي البخاري ومسلم لمؤلفه عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني وزير القضاء في عهد الخليفة العباسي المقتفي لأمر الله (499ه /560ه 1105/1165)، وهي تقف شامخة في إحدى زوايا المعرض بهيبة، شاخصة لعيون الزوار تحمل على كاهلها تعب 549 سنة هجرية منذ ولادتها على يد ناسخها منيف بن إسماعيل بن عبدالله بن مسند بن عمر بن بسّام من أهل بلدة أوشيقر في منطقة نجد عشية يوم الاثنين ال29 من شهر شوال عام 882ه. وعلى رغم المسافة التاريخية بين أصل المخطوطة ونسختها التي تبلغ أكثر من 300 عام، إلا أن ما بقي من هيبتها وشموخها كبير جداً، كفيل بإبهار الزوار الذين سيقفون أمام خطوطها المتعرجة بالأسود والأحمر لاكتشاف سر بهائها اللامع داخل أروقة المعرض، فخلال أكثر من خمسة قرون سافرت تلك المخطوطة النادرة إلى أشخاص مختلفين وحطت رحالها في أماكن متنوعة حتى آل بها الترحال إلى دارة الملك عبدالعزيز ضمن مكتبة الشيخ صالح بن علي الطويرب المهداة لها، ووجدت الدارة فرصة هذا المعرض لعرض هذه المخطوطة المزدانة بوقار التاريخ وطلبة العلم الأوائل ضمن مقتنياتها للعامة للمرة الأولى، وتقف هذه المخطوطة شامخة للدلالة على اهتمام المملكة منذ بداية تاريخها في منتصف القرن ال12 بالعلم والعلماء وطلبة العلم وبالكتاب بصورة عامة، هذا الاهتمام الذي انتقل إلى الدولة السعودية الثانية مع نشأتها ثم الدولة السعودية الحديثة والتي خصت المخطوطات بعناية مميزة من خلال عدد من المؤسسات واللقاءات والبرامج العلمية. خطوط أقدم مخطوطة نجدية متعرجة وصفحتها الواحدة تحتوي ما يقارب ال21 سطراً مكتوبة بخط النسخ المعروف «لا تمتلك أمام جمالها الذي يزداد مع مرور الزمن إلا أن تقف مصفقاً بعينيك وروحك» كما تقول الدارة. خط سيرها هو الآخر كان متعرجاً فقد سافرت من مدينة أوشيقر مكان نسخها ثم انتقلت مع القاضي عبدالعزيز بن مرشد إلى سدير ثم حائل في القرن ال14 الهجري حيث تولى القضاء فيهما، لتستقر في القرن ال21 الهجري ومنذ خمسة أعوام في مركز المخطوطات بالدارة بعد أن أهداها عبدالقادر بن صالح الطويرب إليها، سارت كل هذه المسافات الزمنية والمكانية وهي تحمل إشارة قوية لما بذلته المملكة منذ تاريخها في منتصف القرن ال12 الهجري للعناية بالعلم والعلماء وتعكس المكانة التي وصل إليها الكتاب في حياة السعوديين وحفظ المخطوطات والمنسوخات من أمهات الكتب وتزايد عدد المكتبات وحلقات التعليم والقراءة منذ الدولة السعودية الأولى حتى يومنا الحالي. لكل مخطوطة حكاية تاريخية طويلة تضج متعة وإباء مملوءة بأسماء تلحق بها من نسّاخها وملاكها ومكان تواجدها.