يتناول كتاب مركز المسبار للدراسات والبحوث موضوع «العبودية المعاصرة لدى التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية»، وهي القضية التي تعتبر على درجة بالغة من الأهمية، خصوصاً مع تزايد الحروب والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط، وفي أكثر من بقعة من العالم. ويقدّر عدد العبيد في العالم بين 20 مليوناً إلى 30 مليون إنسان، وقد يكون أكبر. ويصعب التصديق بأن العبودية لا تزال قائمة اليوم، ولم ترث جميع الشعوب العبودية، ولكن وجودها يمتد منذ القدم إلى يومنا هذا، ويصعب تفسير سبب استمرارها. إن وجود العبودية كان ولا يزال عاراً على المجتمعات كافة، ويأتي هذا العار من حقيقة كون العبودية تمنع قيام إنسانية مشتركة تجمع جميع البشر. وسلط الباحث العراقي خضر كلو علي دوملي في دراسته المشاركة، الضوء على الخلفية التاريخية لتعرض الأيزيدية للهجمات وسبي نسائهم في مراحل تاريخية سابقة، وصولاً إلى ما قام به «داعش» في 2014. وتستند الورقة إلى شهادات من ناجيات وتصريحات وفتاوى وتقارير دولية تتناول هذه القضية، التي أصبحت شأناً دولياً يستمر العمل عليه، لأن مأساة الأيزيدية مستمرة باستمرار «داعش» في الاحتفاط بأكثر من 3 آلاف امرأة وطفل وطفلة ورجل، سبايا وجواري وعبيداً. وقال دوملي: «إن الواقع الحالي للمنطقة وتردي العلاقات بين مجتمعاتها سيستمر إذا لم يتم وضع حد لموضوع حساس ومهم ومؤثر، وخصوصاً أن هناك فرصة للإصلاح والتخلص من الاستعباد الجنسي الذي يضيف بعداً غير حضاري على المجتمعات، ما يتطلب مواجهته بجرأة للتخلص منه نهائياً». من جهته، أشار رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق رحيم العكيلي إلى أن القانون العراقي ما زال خالياً من نص صريح يجرّم العبودية والممارسات الشبيهة بالرق، إنما نص قانون العقوبات العراقي النافذ على عد جرائم الاتجار بالنساء وبالصغار أو بالرقيق، من جرائم الاختصاص الشامل، التي يسري عليها قانون العقوبات العراقي، ولو ارتكبت بالخارج. ولم تكن لهذا النص قيمة واقعية إلى أن صدر قانون الاتجار بالبشر في العام 2012. ولم يصادق العراق على نظام المحكمة الجنائية الدولية، وهو لا يجرم حالياً الجرائم الدولية، والتي تشمل الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، على رغم أنه جرمها للفترة بين 1968 إلى 2003. وعلى رغم أن ملاحقة تلك الجرائم من اختصاص القضاء العراقي الاتحادي، فإنه لم يتحرك واقعياً لتوثيقها وجمع الأدلة وملاحقة الجناة، واكتفت الحكومة والجهات الاتحادية المعنية بإصدار البيانات والتقارير وببعض الإجراءات المحدودة. وأشار العكيلي إلى أن المنظمات الحقوقية العراقية لم تهتم بهذا الموضوع، وإنما سعت منظمات مجتمع مدني في إقليم كردستان إلى توثيق تلك الجرائم وتدوين شهادات الضحايا، وجمع الأدلة من وثائق وتسجيلات وفيديوهات وغيرها، وهي تعمل إلى جانب هيئة التحقيق وجمع الأدلة التي يرأسها قاضٍ. وفي السياق القانوني والشرعي، عرض محمد حسن الأمين موقف الفقه الإسلامي، ولا سيما الفقه الجعفري، من السبي والرق في حوار أجراه المركز معه. ورأى أن الرق «ظاهرة تاريخية تشمل المجتمعات الإنسانية كافة، واستطاع الإسلام بإمكاناته وآدابه أن يسهم إسهاماً نوعياً في إلغاء هذا النظام الجائر». واعتبر أن الأمة الإسلامية «أولى من أي أمة أخرى بموجب قيمة الكرامة الإنسانية التي شدد عليها القرآن الكريم والسُنة النبوية». وشدد على «أن نكون متمسكين أكثر من سوانا بحق الحرية الكاملة للكائن الإنساني». وأكد الأمين أن «عمليات السبي والاسترقاق التي تمارسها هذه الحركات أمر بالغ الخطورة، وهو محرم تحريماً كاملاً» مشدداً على «أن الإسلام في عالمنا المعاصر يعتبر القوانين المتفق عليها دولياً، هي قوانين ملزمة للمسلمين، على قاعدة أن المسلمين جزء من نظام عام». وخلص إلى أنه «يجب علينا أن نقدم الإسلام انطلاقاً من التأويل الديني والاجتهاد، بوصفه خلاصاً روحياً وأخلاقياً للشعوب والأمم، من خلال العمل على نشر الثقافة الأصيلة للإسلام، القائمة على فقه التعايش، ما يمكن أن يؤدي إلى نهضة إسلامية. أما العنف أو القهر المسلح، فإنه يسيء إساءة واضحة للدعوة الإسلامية».