يبدو أن ميل الشباب الأردني نحو الاستثمار في الدراسة والتعلّم، بدا يخبو أمام ارتفاع المداخيل المادية للعديد من المهن والحرف الأخرى التي لا تعتمد على الشهادة الجامعية، وتراجع الأخيرة في قدرتها على تسلق سلم الوظائف. هذا التحوّل جاء نتيجةً ل «واقع السوق»، وما تفرضه أساليب المعيشة وظروف الحياة، إذ يؤكد المحامي مصلح هليّل أن مسألة استثمار الشاب في الدراسة لم تعد مجدية من الناحية المالية باستثناء تخصصات قليلة. ويعرج هليّل على مسألة عدم موائمة مخرجات التعليم مع سوق العمل، ما يراكم مزيداً من طوابير المعطلين من العمل في ظل تراجع الفرص المتاحة. من جهة أخرى، يقول الناطق الرسمي باسم وزارة العمل محمد الخطيب إنه عدم موائمة مخرجات الجامعات وحاجات سوق العمل تجعل أعداد الخريجين في تخصصات أكبر بأضعاف من الحاجة او الامكانات الفعلية. ويشجع الخطيب في حديثة ل «الحياة» إلى الاتجاه صوب العمل المهني فحاجة السوق الآن للفنيين والمهنيين أكثر بكثير من حاجته إلى خريجي الجامعات. يعود هليّل ليقارن بين المداخيل المادية لشاب استثمر في الدراسة وآخر لجأ إلى التجارة، وكيف أن الأخير أصبح ممتلئ مالياً فيما يكابد الأول ظروف الحياة القاسية. ويوافق عيسى بني خالد وهو مدرّس في سلك التعليم، هليّل في أن استثمار الشاب في التعليم لم يعد مجدياً، تحديداً مع ارتفاع كلفة التعليم إلى مستويات قياسية في الأردن، وتراجع المداخيل المرافقة لتلك التخصصات. فطالب الصيدلة يتكلف لدراسة البكالوريس نحو 24 ألف دينار أي ما يقارب 33 ألف دولار. أما إذا أراد متابعة تحصيله العملي في هذا الاختصاص فهو سيتكلف أضعاف هذا المبلغ فيما يحتاج الى سنوات عديدة لاسترداد النقود التي صرفت في تعليمه. وتتجه الحكومة من خلال وزارة العمل إلى سياسة «التشغيل لا التوظيف»، عبر تعزيز ثقافة التشغيل الذاتي ودعم مبادرات التشغيل للشباب عبر مشاريع صغيرة تنقل الشباب من مرحلة الباحث عن العمل إلى صاحب عمل وأن هذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص وفق برامج خاصة تعمل على تأهيل الشباب وتدريبهم على ادارة مشاريع صغيرة. وتتسم البطالة في الأردن، وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن مسوحات دائرة الإحصاءات العامة، بأنها مرتفعة (أعلى من 10 في المئة)، ومزمنة (استمرت بمعدلاتها المرتفعة ما بين 12 - 15 في المئة منذ 1999)، وتطاول الشباب أكثر من الفئات العمرية الأخرى. وتوضح أرقام دائرة الإحصاءات العامة الرسمية للعام 2016 أن معدل المتعطلين من حملة الشهادات الجامعية كان مرتفعاً جداً إذ بلغ عدد العاطلين ممن يحملون مؤهل بكالوريوس وأعلى مقسوماً على قوة العمل لنفس المؤهل العلمي نحو 22 في المئة مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى. كذلك، أشارت النتائج إلى أن نحو 57 في المئة من إجمالي العاطلين هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى، وأن 43 في المئة من إجمالي المتعطلين كانت مؤهلاتهم التعليمية أقل من الثانوي. كما تباينت نسبة المتعطلين حسب المستوى التعليمي والجنس، حيث بلغت نسبة المتعطلين الذكور من حملة البكالوريوس فأعلى 26 في المئة في مقابل 77 في المئة للإناث.