المعتادون على أنظمة «القطة» في السفر، السهر، الاستراحات، و«الكشتات» يحاولون قسمة مقدار الإنفاق الحكومي في الميزانية الجديدة على عدد المواطنين فيظهر لهم رقم كبير لا يتخيلون أن واحدهم يستهلكه طيلة العام مهما كان أجره كموظف، وتعليم أبنائه، ورعايتهم الصحية، وتثقيفهم إن لزم الأمر. أما خريجو مدارس الدكاكين والتجارة البسيطة، فيقولون، اخصموا خرج الدكان، عفواًَ «خرج» الوزارات المعنية بالخدمات مثل التعليم والصحة والبلديات وغيرها، أي اخصموا الرواتب، والإيجارات، والاستهلاكات، والنثريات، وأعطونا بالبقية كذا مدرسة أو كذا سرير أو كذا مستشفى. التجار «المدقدقين» يقولون لبعض الوزارات أعطونا الميزانية كاملة وأخبرونا كم مدرسةً تحتاجون أو كم مستشفىً أو حديقةً أو شارعاً أو رصيفاً، ونعطيكم إياها مضبوطة، وما فاض نقسمه مناصفة معكم. المحاسبون القانونيون يودون لو تسلموا موازنات بعض الوزارات، والمحامون كذلك، والرقم التاريخي الذي أعلنته الحكومة مشكورة لميزانية العام الذي سيطلُّ بعد أيام يضاف إلى أرقام العام الماضي، فتخال أنه يصعب عملياً الادعاء بعدم توافر المال، وبالتأكيد لا يمكن لبعض الجهات التي تمس حياة الناس الادعاء بقلة الرجال بدليل أن بند الرواتب يلتهم الكثير، وبالطبع ليست هناك قلة في الأرض في حالة المدارس والمستشفيات، فلا بد أن هناك قلة في شيء ما، ليس مفهوماً اقتصادياً، ولا تنموياً. لا أفهم، وغيري كثيرون في تفاصيل الموازنات، لكننا نفهم في معايير الرخاء والرفاه، وهكذا أرقام تقول للمواطن البسيط إنك لن تنتظر أشهراً وأنت مريض لتحصل على موعد «كشفية»، وهي ذات الأرقام تقول له إنك لن تضطر إلى إيداع فلذة كبدك في «هنجر» اسمه مدرسة أهلية يستقدم الفاشلين من المعلمين في بلدانهم بأجور أقل من أجر السائق المحترف الذي تستأجره من مكتب «مرتب» للاستقدام، لن تضطر إلى ذلك لأن مدارس الحكومة المجهزة والمنتشرة في كل مكان تفتح ذراعيها له. اللغة التي يتكلم بها الاقتصاديون والمحللون وأخيراً «المحلحلات»، لا يفقه فيها رجل الشارع كثيراً، وهو يفغر فاه محاولاً تخيل الرقم، أو الأرقام التي تتحدث عن كل المشاريع في كل الاتجاهات. البعض يشير إلى تهم جاهزة، وأود أن أشير إلى تهمة أكثر جاهزية، هي انعدام الإحساس بالوقت، يمر العام وبعض الجهات تسوّف لأنها تنتظر الأكمل والأفضل، والذي لم تأتِ به الأوائل، أو تسوّف لأنها تغير رأيها كثيراً، أو تسوّف لأن عدد لجانها التطويرية والاستشارية أكثر من عدد مشاريعها، وأخيراً هي تسوّف لأنها «ما تدري وش السالفة» وتخجل أن تقول أو تفصح عن ذلك. نظل نقول كما يقول آباؤنا وأجدادنا «الحكومة ما قصّرت»، لكن هناك تقصيراً عند بعض من يخططون، وينفذون. [email protected]