العروبة ليست خطابات رنانة أو شعارات بالنسبة إلى الموسيقي الأردني طارق الجندي الذي لا تخلو مؤلفاته من اللحن الأصيل وإن بدت معاصرة، خصوصاً أنه ترجم حبه لبيئته من خلال العزف على آلات غربية ولكن بطريقة عربية. ومن أحدث أعمال الجندي، ألبوم «صور» الذي لا تحكمه معانٍ أو مشاهد، بل يُطلق لمخيلة السامع العنان لكل ما هو وجداني تارة وعقلاني تارة أخرى، محاولاً أن يسرد فيه مسيرته الفنية والتطورات التي طرأت على ثقافته، منذ أن بدأ عشقة لأولى أبجديات الموسيقى. عشر مقطوعات موسيقية تنوعت فيها القصص والحكايا، منها ما أخذ طابعاً شخصياً كمقطوعة «إلى عامر» الحزينة التي عبرت عن الحالة النفسية للجندي المشتاق إلى صديق طفولته، وليس بعيداً عن واقع الجندي فقد حملت مقطوعة «صور» التي عزفت على مقام «النهوند» العربي مجموعة من مشاعره وأحاسيسه. وتأثر الجندي بالصبغة الصوفية لدى عزفه مقطوعتي «عشق» و «فالس آخر الليل»، حيث بدت الموسيقى ساكنة وتبعث على التأمل والهدوء. لكن الهدوء لم يستمر طويلاً، بعدما شاركت آلتا «التشيللو» و «الفلوت» في مزج موسيقى وأنغام خرجت عن أي مقام موسيقي لتدل عن حالة فوضى في مقطوعة «مشاهد من تشرين» التي تفرعت عنها ثلاث معزوفات أخرى حملت عناوين مختلفة «الزحف» و «القهر» و «الجنازة». أما معزوفتا «وسط البلد» و «البترا» اللتان ارتكزتا على مقامي الكرد والحجاز الشرقيين، فلرمزية المكان التراثي خصوصية تجلت بهما وتماشت مع فكر الجندي الذي حرص على استخدام الطابع الشعبي من خلال بعض الإيقاعات في هاتين المقطوعتين. وعلى رغم دلالة معاني المقطوعات بتسمياتها، فإن الجندي كتب على غلاف ألبومه أن السامع جزء من هذا الألبوم وعلى المستمع أن يحلّق في خياله كما يريد بعيداً من التسميات. وقال إنه حاول أن يرسم القصص بالموسيقى لا بالكلمة، مضيفاً أن القصص مستوحاة من تجاربه وثقافته ومشاعره ورحلاته المتعددة وتعلقه بالأشخاص والأماكن. وعبّر عن حبه لمدينة بيروت وبلاد الشام عموماً من خلال مقطوعة «رقصة الصباح» التي مزج فيها بين التانغو والفلامنكو والإيقاعات العربية. وأصدر الجندي قبل سنتين ألبوماً بعنوان «ترحال» حاول فيه إبراز الجوانب التعبيرية والتقنية لآلة العود مع مزج أنغامها بالإيقاعات المغربية وإيقاعات العهد العثماني. وفي ألبوم «ألحان من طفولتي» جمع تسعة ألحان تعتبر من أكثر المقطوعات التي كان يسمعها في أيام طفولته، وهو أول ألبوم له وأصدره عام 2005 وكان خليطاً بين معزوفات قديمة وجديدة.