يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى التدخل عسكرياً في المياه الإقليمية الليبية، لمواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية قرب سواحل هذا البلد التي تحولت إلى منطلق رئيسي لإبحار «قوارب الموت» المكتظة بالمهاجرين نحو إيطاليا. وتقدر هيئة الحدود الخارجية الأوروبية (فرونتيكس) عدد الذين غرقوا في البحر منذ مطلع عام 2017، بأكثر من ألف في مقابل 24500 وصلوا إلى شواطئ إيطاليا. لكن التدخل العسكري مشروط بموافقة الحكومة الليبية أو بقرار من مجلس الأمن، وهو ما لم يتوافر بعد، فيما تتحرك الديبلوماسية الأوروبية في أكثر من اتجاه من أجل تأمين الدعم الدولي الذي يمكن حكومة الوفاق الوطني من الحصول على العتاد العسكري من جهة والتعاون من جهة أخرى مع الأطراف الخارجية لمواجهة التحديات الأمنية في البحر واليابسة. وذكرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني على هامش اجتماع وزراء الدفاع للدول الأوروبية في مالطا أمس، أن تدخل الأسطول الأوروبي الذي يقود عملية «صوفيا» في وسط البحر الأبيض «يتطلب دعوة من الحكومة الليبية وقراراً من مجلس الأمن». وأوضحت أنه إذا توافر هذا الشرط فإن أسطول «صوفيا» في وسعه «نقل النشاطات التي يتولاها في المياه الدولية إلى داخل المياه الإقليمية الليبية سواء في ما يتعلق بتفكيك شبكات التهريب وكذلك أعمال الإنقاذ في البحر حيث يغرق العدد الأكبر من الضحايا في المياه الليبية». وفي انتظار تطور في هذا الشأن، يتركز الدعم الأوروبي على تنفيذ خطة تدريب خفر السواحل وحرس الحدود الليبيين، والتعاون مع دول الساحل الأفريقي في محاولة وقف تدفق المهاجرين من دول المصدر والعبور. وأكدت موغريني أن الاتحاد الأوروبي لا يسعى في شكل خاص إلى التدخل في المياه الإقليمية الليبية بقدر ما يتطلع إلى «أن العمل في شكل مهني في المياه الليبية ويفضل أن يتولى الليبيون ذلك بأنفسهم». ويدرس الاتحاد الأوروبي لائحة عتاد عسكري طلبته حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج إلى الاتحاد الأوروبي في آذار (مارس) الماضي، وتشمل 10 سفن ومروحيات وسيارات إسعاف وآليات عسكرية متحركة وهواتف الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية. وذكرت موغريني أن الاتحاد الأوروبي سيزود ليبيا في غضون الأسابيع عتاداً «غير مميت»، فيما أفادت مصادر مطلعة أن لائحة الطلبات الليبية تشمل آليات حربية مجهزة لاستخدام خفر السواحل الليبي. وقد تتولى بعض الدول الأعضاء مهمة تزويد الحكومة الليبية بالعتاد الحربي. وتمكنت مهمة أسطول عملية «صوفيا» إلى الآن من تدريب 93 من كوادر خفر السواحل. ويجري الإعداد لتدريب 225 في إيطاليا وإسبانيا، وذلك على رغم انتقاد منظمات حقوقية دولية سلوك خفر السواحل الليبي والقائمين على مراكز احتجاز المهاجرين التي تحول إلى سوق للسخرة. وتصطدم الجهود الأوروبية بالصعوبات الناجمة عن تفكك أجهزة الإدارة الليبية وانقسامها بين مختلف الميليشيات المسلحة في طرابلس وبنغازي وسبها في الجنوب، علاوة عن النزاع الدائر بين قوات المشير خليفة حفتر وقوات الميليشيات في مصراتة والصراع في الهلال النفطي. وكل من أطراف النزاع يستند إلى سند خارجي أو أكثر. وتتولى إيطاليا في الفترة الأخيرة دوراً ريادياً مدعوماً من الاتحاد الأوروبي تسعى من خلاله إلى جمع أطراف النزاع حول الاتفاق السياسي والحاجة إلى تعديله. ووقعت إيطاليا مع حكومة السراج اتفاقاً يمكن من إدارة طرقات الهجرة من دول الساحل الأفريقي، وتقدم إيطاليا بمقتضاه الخبرات البشرية والتقنية لإدارة بعض معابر الحدود الواقعة في الحدود مع النيجر. وأوضح مصدر مطلع أن «إيطاليا ومن ورائها أو إلى جانبها الدول الأوروبية، تتعامل مع السلطات الفاعلة في الميدان» سواء خفر السواحل في الشمال أو زعماء البلديات والقبائل في الجنوب». ويرصد الأوروبيون باهتمام تدخل روسيا من خلال الدعم الذي تقدمه للمشير حفتر. وتساءل خبراء في ندوة نظمتها مؤسسة «جيرمان مارشال فاند» منتصف الأسبوع في بروكسيل، عن الأهداف التي تسعى إليها روسيا من خلال زيادة نفوذها في شرق ليبيا. وتتصل تلك الأهداف بدعم مقاربة مصر في مواجهة المنظمات المتطرفة، واستعادة جزء من ليبيا التي كانت تمثل في السابق سوقاً للسلاح الروسي. وتحرص موسكو على التدخل «المبكر» في ليبيا لئلا تفاجأ بتداعيات شبيهة بتطورات الحرب في سورية. وأمس، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ، في مالطا، أن خبراء من الحلف «سيبحثون في الأسابيع المقبلة مع ممثلي الحكومة الليبية برئاسة السراج إمكانات المساعدة التي يمكن أن يقدمها الحلف من أجل بناء مؤسسات الدفاع والأمن في ليبيا».