1 في اجتماع ودي، خارج قاعات الاجتماعات، بدأت المداولات السنوية المعتادة لنا عن ترتيبات إجازة الكريسماس ورأس السنة. تختلف الأولويات بيننا من شخص لآخر ... الأميركي منشغل بالولاية التي سيتفق أفراد عائلته المبعثرون بين الشمال والجنوب على جعلها نقطة الارتكاز في الليلة الموعودة، الياباني مهتم بالتجهيزات الالكترونية للحفلة لتكون أكثر إبهاراً، الفرنسي لا يشغله شيء سوى تحضير اللباس الأنيق والنبيذ الفاخر، البريطاني لا يفهم ماذا يعني لباس أنيق أو طعم لذيذ ... لذا فهو مهتم بأين سيقضي الأمير وليام وخطيبته ليلة الكريسماس؟! سألوني عن برنامجي وترتيباتي؟ قلت لهم: أما أنا فسأقضي الكريسماس في مدينتي الرياض. أعجبتهم الإجابة، فهي تشي بكثير من التفاصيل الإخبارية المثيرة عن: كريسماس في السعودية! سألني الأميركي: أية خطوط طيران ستختار من باريس الى الرياض؟! أجبته فوراً بأني لا أختار ولا أحتار ... فنحن لدينا خطوط جوية وطنية ... نعتز بخدمتها! سألني الياباني عن التجهيزات الالكترونية لإنعاش حفلة الكريسماس، فأحطته علماً بأن القنوات التلفزيونية لدينا، بما فيها من ترفيه وموتيفيشن وبشاشة تغنينا عن استخدام أية أجهزة إلكترونية ترفيهية. سألني البريطاني إن كنت سأحضر زواج الأمير وليام؟! سألني الفرنسي عن الملابس والأطباق الفاخرة؟ أخرجت له صورتي في جواز السفر وقلت له: هذه الملابس التي تراها في الصورة هي التي نرتديها في الأعياد والعزاء والدوام والأسواق وفي الاستراحات والمخيمات، وأحياناً إذا تعبنا من الفرح ننام فيها ... بعد أن نفسخ العقال بالطبع!! ثم بدأت بإسهاب، ممتعاً الفرنسي ومعذباً البريطاني، بالحديث عن أطباق الوجبة الكريسماسية مع أهلي في الرياض. قلت لهم: أولاً وجبتنا التي نجتمع عليها غداء وليست عشاء مثلكم، حيث نلتف والدي وإخواني وأنا حول صحن دائري مملوء حتى شدقيه بالرز. قاطعني الفرنسي سائلاً عن أنواع الرز عندنا، قلت له إنها أقل قليلاً من أنواع الجبن الفرنسي! لدينا رز أبيض ورز أحمر، رز بتبصيلة ورز بدون تبصيلة، رز في تبسي ورز في ابلام (سراويس) .. وهكذا من الطرق العديدة لإعداد الرز في مطبخنا الوطني. أراد الفرنسي أن يستدرجني لذكر المزيد من الأنواع والخلطات لأطباق الرز لكني أوقفته عند حدّه! سألني الأميركي عن اللحمة المصاحبة للطبق هل هي ديك رومي أو ستيك؟ أخبرته أن هرماً من قطع لحم البعير (الجمل) تعلو مزرعة الرز المطهو. سألني لماذا البعير بالذات؟! قلت له: ان البعير يمثل لنا نموذجاً للكائن الذي يصبر ويتحمل صعوبات الحياة وقسوة الجفاف، ولذا فنحن نجدد به سنة جديدة من العزم والتحمل. قفز الفرنسي بكل لهفة يسأل عن نوع الشراب المصاحب للوجبة؟ أجبته فوراً بأنه: اللبن. قال متسائلاً: وهل اللبن من أنواع النبيذ؟! ضحكت على سؤاله الذي لا يخلو من «الخبز» الفرنسي! ثم أجبته بخبث أيضاً أن اللبن، رغم خلوه من العناصر المحرّمة ولله الحمد، فهو يشترك مع النبيذ (الخمر) في صفتين، الأولى أنه حليب «متخمر»، لكنه يتخمر ببكتيريا عاقلة ومتزنة! الثانية أن اللبن إذا شُرب بكميات معينة (غضارة) في أزمنة معينة (الظهر) بأوضاع معينة (بعد دوام مرهق ووجبة دسمة) فإنه يكاد يؤدي مفعولاً مشابهاً لمفعول النبيذ من الفقد والارتخاء ... لكن من دون البهجة الماجنة! سألني البريطاني، ببروده المعهود: ألا يوجد بطاطس في وجبتكم؟! التفتّ إليه شذراً ... ذرعته من فوق إلى تحت، ثم قلت له: البطاطس لا يأكله إلا الأطفال والانكليز! 2 المشهد أعلاه، كتبته إلى صديق سخر مني حين علم أني سأغادر باريس إلى الرياض في إجازة الكريسماس، ووصف رحلتي هذه بالانتكاسة! إليه، وإليه وحده، أقول: لا بد من صنعاء وإن طال السفر... أو هيمنت لغة الضجر! * كاتب سعودي [email protected] www.ziadaldrees.com