صدر عن «دار قنديل للطباعة والنشر والتوزيع» في دبي، التابعة لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، كتاب «الصراع المصري والتوازن الدولي في ثلاثينات القرن التاسع عشر»، من تأليف الدكتور علي عفيفي علي غازي مدير تحرير مجلة «رواق التاريخ والتراث». يتناول الكتاب من خلال منهج البحث التاريخي التحليلي المقارن، دور الصراع المصري العثماني في إعادة صوغ نظام توازن القوى الدولي في القارة الأوروبية في ثلاثينات القرن التاسع عشر، تجاه منطقة الشرق الأدنى، إذ لعب توسع محمد علي باشا والي مصر (1805-1848) في الجزيرة العربية وبلاد الشام دورًا كبيرًا في تاريخ المنطقة، كانت له تداعياته على العلاقات الدولية، وكاد يُحدث صداماً بين الدول الأوروبية حفاظًا على الدولة العثمانية، التي باتت تمثل نواة الأمن الأوروبي، لتعلب أقوى أدوارها في أضعف مراحلها التاريخية بعد أن هرمت، وباتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، إلا أن شعور رجال السياسة في الدول الأوروبية بأن انهيارها ستكون له تداعياته الكبرى على القارة، وسيكون سببًا في حرب أوروبية لا يُمكن أن يتنبأ أحد بنتائجها، كان سببًا في سعي جميع هذه الدول للحفاظ عليها من الانهيار، ثم التدخل لتحجيم محمد علي، ومنعه من إسقاط السلطان العثماني، وهو الأمر الذي أخر موتها حتى الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، والتي كان أبرز نتائجها اقتسام الدول الأوروبية الممتلكات العثمانية عامة، والعربية بخاصة، بموجب اتفاقية سايكس – بيكو الشهيرة. يُقسّم المؤلف الكتاب إلى عناوين، تبدأ بتمهيد تاريخي يتناول وصول محمد علي إلى حكم مصر وموقع شبه الجزيرة العربية والشام والعراق في استراتيجيته، ثم ينتقل لتحليل دور الحملة الفرنسية في تشكيل آلية توازن القوى الدولية، ويحلل أسباب وعوامل ونتائج تدخل الدول الأوروبية في شؤون الدولة العثمانية، وبدايات ظهور المسألة الشرقية في آلية توازن القوى في القارة الأوروبية، ودور الدولة العثمانية في الحفاظ على التوازن شرق القارة، ثم بروز محمد علي والمسألة المصرية، ومدى الارتباط بين المسألتين الشرقية والمصرية، ومن ثم تهديد محمد على للدولة العثمانية، وأثره في الأمن الأوروبي، والتدخل الأوروبي في إطار آلية توازن القوى؛ لإنهاء الحرب بين محمد على والسلطان العثماني، حفاظاً على السلام الأوروبي، ودور الديبلوماسية العثمانية في تدخل الدول الأوروبية، ونجاح التدخل الأوروبي في إبرام اتفاق كوتاهية. تبدأ مرحلة سكون في الصراع بين محمد علي والسلطان تشهد صراعاً امبريالياً أنغلو-روسي حول الدولة العثمانية كاد ينفجر إلى حرب مشتعلة، فقد باتت المسألة المصرية تؤثر في الأمن الأوروبي، وتتأثر بتوازنات القوى في القارة الأوروبية، ولهذا عندما تجدد الصراع بين محمد علي والسلطان أدى إلى تهديد آلية توازن القوى في القارة الأوروبية، وهنا يُدرك محمد علي دور الدولة العثمانية في حفظ الأمن الأوروبي، وتبدأ مرحلة من الديبلوماسية العثمانية المصرية تهدف لاحتواء الصراع العثماني المصري (1833–1838) برعاية أوروبية، إلا أن إعلان السلطان محمود الثاني الحرب يترتب عليه تهديد التوازن في القارة الأوروبي، ودور بامستون ومترنيخ في تحقيق الوحدة الأوروبية من خلال اجتماعات برولاند لتقرير مصير الصراع المصري - العثماني، وتجتمع الدول الأوروبية لوقف التقدم المصري وحماية التوازن، وكاد الصدام يتم بين الدول الأوروبية وفرنسا بسبب محمد علي، وتتحد أوروبا لتقرير مصير الصراع المصري العثماني بموجب معاهدة لندن 1840، وأخيرًا يتدخل التحالف الأوروبي عسكريًا ضد محمد علي، وينجح في إخماد انتفاضته في إطار آلية توازن القوى في القارة الأوروبية. تمّت تسوية المسألة المصرية في إطار آلية توازن القوى الأوروبية، فلقد نظرت الدول المتحالفة إلى مصر باعتبارها دولة تُهدد توزيعات القوة الأوروبية والتوازن الاستراتيجي، لذلك تعاملت معها عقب هزيمتها عسكريًا من المُنطلق نفسه، وفي التسوية لم تحد عن هذه الآلية أيضًا، لذلك فقد راعت الاتفاقية إعادة التوازن الاستراتيجي والجغرافي من وجهة النظر الأوروبية، فوضعت التسوية مصر مرة أخرى تحت مظلة الدولة العثمانية مع منحها وضعًا متميزًا عن بقية الولايات التابعة لها، وهو ما تمثل في حق ولاية العهد لأسرة محمد علي، وفي الوقت نفسه ضمنت عدم تكرار التوسعات المصرية مستقبلًا، حيث تمّت محاصرة مصر سياسيًا وعسكريًا، وأوجدت منطقة عازلة بينها وبين الدولة العثمانية متمثلة في ولاية سورية، بحيث أصبح من الصعب على الجيوش المصرية تهديد الدولة العثمانية مرة أخرى، أي أن التحالف كان للإبقاء على الدولة العثمانية باعتبارها من مقومات الأمن في النظام الأوروبي. يلفت الانتباه في تسوية المسألة المصرية تدخل الدول الأوروبية بجهودها الديبلوماسية ثم العسكرية ضد مصر، على رغم أن السلطان العثماني محمود الثاني هو الذي بدأ الحرب وأشعل نار التوتر في القارة الأوروبية، ولكننا لو أمعنّا النظر قليلًا سيتضح لنا السبب الكامن في أن مصر هي الدولة الأقوى والمنتصرة والمسيطرة على مجريات الأمور، فمن المؤكد أن الحرب لو انتهت من دون النصر لمصلحتها، فإن الأوضاع كانت ستتغير وستتغير معها ردود الأفعال الأوروبية، فلولا أن النصر المصري هدد بعواقب وخيمة على التوازنات الأمنية في القارة الأوروبية، وتوزيعات القوة الأوروبية لما بادرت الدول الأوروبية بالتدخل، وعلى هذا كان تدخلها ضد مصر ليس لمصلحة السلطان العثماني، وإنما حفاظًا على النظام الأمني الأوروبي ومصالحها الخاصة، ولهذا تباينت وجهات نظر كل دولة تبعًا لما كانت تراه في مصلحتها.