قضت البحرينية دلال، ذات ال30 ربيعاً، سنواتها الثلاث الأخيرة، في «خريف المعاناة، وصيف الغربة، وشتاء العوز والوحدة». ولم تتخيل ابنة الرفاع، التي ترعرعت على حب بلادها، أن تتجرع المآسي من الوطن ذاته، الذي ستفتديه بروحها لو استلزم الأمر. بدأت تفاصيل حكاية دلال عندما تقدم لها عريس يسكن محافظة حفر الباطن، من فئة «البدون»، لتزف إليه، وتعيش معه حياة «هانئة»، رزقت خلالها بثلاثة أولاد وابنتين. لكن الدنيا قلبت لها ظهر المجن، إذ أوقفت أجهزة الأمن زوجها قبل عامين في قضية جنائية، وتمت محاكمته، وصدر عليه حكم بالسجن لمدة 20 سنة، ليبدأ أول فصول معاناتها، إذ فقدت الزوج والأب والعائل. وحاولت دلال في البداية أن تحصل على مساعدة من «الضمان الاجتماعي»، لتستطيع تسيير حياتها وحياة أبنائها، منتظرين خروج عائلهم من وراء القضبان، بيد أنها اصطدمت بالأنظمة، فصرف مساعدات الضمان محصور على السعوديين والسعوديات، على رغم كون معاملة تجنيس الزوج والأولاد توقفت، بسبب ترتيبات اللجنة المركزية في إدارة الأحوال المدنية، التي أوقفت مسار تجنيسهم منذ مدة طويلة، ليكون سجن الزوج عائقاً لشمولها بالضمان. كما حاولت بعدما ضاقت عليها السبل أن تلجأ إلى حضن وطنها، فتقدمت لجوازات حفر الباطن، وسفارة البحرين في الرياض، وجوازات البحرين، وأخيراً إلى المجلس الأعلى للمرأة في البحرين، رغبة منها في أن تقوم البحرين بتجنيس أولادها، كي تعيش في كنف أهلها وبينهم بدلاً من الغربة بلا زوج أو عائل، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل. وتقول فيما تحلق حولها أبناؤها الخمسة، وأكبرهم في العاشرة، وأصغرهم عمره سنتان: «طرقت كل السبل للوصول إلى أهلي هناك. وعلى رغم أن الحكومة السعودية وافقت على إعطائي تذكرة مرور. لكن البحرين امتنعت عن استقبال أبنائي، إذ تشترط حملهم جنسية ما. وحتى لو وافقت على دخولهم فإن أولادي لن ينالوا نصيبهم من التعليم الحكومي والعلاج في مستشفيات الدولة، إلا بمقابل مادي، بينما في حالات مشابهة تم منح أبناء نساء بحرينيات الجنسية، على رغم زواج بعضهن من أزواج من جنسيات عربية غير خليجية»، مضيفة: «خياراتي هي بين البقاء غريبة عن أهلي ومن دون زوج وعائل، ومن دون مدخول مادي يوفّر لي ولأولادي حياة كريمة، وبيّن أن أذهب وحدي إلى البحرين، من دون أولادي، وأتركهم إلى المصير المجهول، وهذا أمر لن تفعله أي أم في هذه الدنيا». وتحاول دلال أن تغالب دموعها: «أعيش وضعاً مادياً ونفسياً صعباً. ولا أستطيع أن أتحمل أكثر من ذلك، وأرجو أن يجد رجائي آذاناً صاغية، وقلوباً مفتوحة في البحرين والسعودية. فأنا ابنة البلدين. ولا يرضى حكامهما بما أعانيه. فأنا أعاني الأمرّين، وما أتلقاه من الجمعية الخيرية لا يكفيني، فما بالك بأم وخمسة أبناء، في حكم الأيتام». وقال خالد زوج دلال المسجون في السجن العام في القريات، الذي يقضي فيه محكوميته، في اتصال هاتفي مع «الحياة»: «ما فعلته كان خطأ، عوقبت لأجله، ويكفي أني سأدفع 20 سنة من عمري، وسأحرم من أبنائي وزوجتي. لكن أرجو ألا يدفع الأولاد والزوجة ثمن خطأ أبيهم، فإما أن تتكرم السعودية بمنح الأبناء الجنسية، كاستثناء، ليذهبوا عند أخوالهم، ويكملوا تعليمهم وحياتهم في بيئة مناسبة، أو أن يتكرموا بشمولهم بالضمان، أو أن تتبناهم جهة خيرية». وعن موافقته على مرافقة الأولاد لأمهم، ونيلهم الجنسية البحرينية، قال خالد: «أعطيت زوجتي إقراراً بخط يدي مصدقاً من الإدارة العامة للسجون، يفيد بموافقتي على سفر الأبناء مع زوجتي، والسكن معها. لكني بسبب وضعي، وانتهاء بطاقتي، لا أستطيع منحها وكالة شرعية، مع أن مسؤولي السجن العام في القريات وعدوني مشكورين بإيجاد حل». ضوئية من تحويل اللجنة ضوئية لجواز دلال ضوئية لإقرار الزوج