في مقدمته لترجمته كتاب «الروح الهندية» لتشارلز ألكسندر إيستمان المُلقّب ب «أوهييايسا»، والصادر حديثاً عن دار بردية للنشر والتوزيع- القاهرة، يقول الحسين خضيري إن الهندي الأحمر يُولي وقاراً عظيماً لحقائق الوجود، وها هو تقديسه للموت يتجلى وهو يُدثر الموتى بأجمل الثياب والزينات الشخصية، واضعاً موتاه على سقالة من الأعمدة، أو ما بين أغصان الأشجار، بعيداً عن متناول الحيوانات التي قد تعبث بجثثهم. في «الروح الهندية»، ندخل بيت ومعبد الهندي الأحمر بصحبة «أوهييايسا» الذي يضيء لنا مناطق كثيرة من حياة الهنود وطقوس عباداتهم ومعتقداتهم، وهنا نعرف أن الهندي الذي يقدس الرقم «4»، يقدس كذلك الحياة بكل صورها، ويرى الحيوانات إخوَة له في الكون، ولهم الحق مثلما له في الحياة. لقد علّمته الطبيعة وفهِم عنها وها هو يعلمنا أن على الأرض ما يستحق الحياة حقًّا. «أوهييايسا» يورد في مقدمته مقولة للخطيب سينيكا: «نحن أيضاً لدينا ديننا الذي وُهب لآبائنا الأقدمين وسلموه إلينا نحن أطفالهم، والذي يعلمنا أن نشكر ونتحد وأن يحب بعضنا بعضاً وألا نتشاجر بسبب الدين». هنا نعرف أن الديانة الهندية هي آخر شيء يمكن لغير الهندي أن يفهمه لأسباب عدة منها أنه لا يتحدث في الأمور العميقة طالما أنه يؤمن بها. أيضاً يؤكد المؤلف أن كتابه الصغير هذا لا يدّعي أنه مقال علمي، بل هو حقيقي قدر استطاعته بسبب طفولته التعليمية والأسلاف النموذجيين، لكن من الناحية الإنسانية وليس من الوجهة الإثنولوجية. هنا يتحدث «أوهييايسا» عن حياة الهنود الحمر الاجتماعية والدينية كاشفاً عن بعض الطقوس والمعتقدات التي ربما لا يعرفها كثيرون عنهم وإن عرفوها لم يستوعبوها في شكل يليق بها. كما يرى أن الرجل الهندي رومانسي بطبيعته؛ يرتدي حجب السحاب الرقيقة هناك على حافة عالم مرئي حيث الشمس تنير معسكره الناري، وهو الذي يمتطي ريح الشمال العنيف والذي ينفث روحه على هواء الجنوب العطِر. «أوهييايسا»؛ يرى أن هذا التواصل الفريد مع غير المرئي هو أسمى تعبير عن حياة الهنود الأميركيين الدينية، بخاصة أن الهندي الأحمر يميل إلى التأمل وإلى العزلة الدينية. وفي هذا التجلي المقدس، أو تلك النشوة، يجد الهندي الصوفي سعادته الأسمى وقوته الدافعة للوجود. في «الروح الهندية»؛ نعرف أن الهندي الأصلي يحفظ روحه حرةً من قيد الكبرياء والجشع والحسد ويُنفّذ المرسوم الإلهي كما آمن به بعمق، ويظل ملتزماً بمشاركة إخوته الأقل حظاً في ثمار مهارته ونجاحاته. لقد أثبت الهندي، بعد تجاربه في الحياة، أن الطعام جيد، لكن التخمة قاتلة، وأن الحب حسن، غير أن الشهوة مدمرة. غير أن الهندي الأحمر ينقسم إلى عقلين مزدوجين: عقل روحي وعقل مادي، الأول روح نقية اهتمت بجوهر الأشياء، أما الأمور الشخصية والشؤون المرتبطة بالأنانية، في صورها المختلفة، فقد هبطت من العقل المادي. «أوهييايسا»؛ يرى كذلك أنه في كل دين يوجد عنصر خارق للطبيعة، يتباين في تأثير نقائه على المتعبدين، والهندي مفكر نقي ومنطقي في الأمور داخل إطار فهمه، لكنه لم يرسم حقل الطبيعة الوسيع، ولم يعبّر عن أعاجيبها في نصوص علمية، ولا تدهشه العجائب مثلما يدهشه حيوان يجب أن يتكلم أو الشمس التي تظل واقفة. «أوهييايسا» يرى أن الهندي رجل دين وهو في رحم أمه التي ما إن تحمل إلا وتلوذ بالصمت والعزلة. وفي الثامنة، تحيل الأم الابن الذكر إلى والده ليتعلم المزيد من التمرس على التقشف، فيما تصير الفتاة إلى جدتها التي تعتبر أكثر رعاة الفتاة العذراء تبجيلاً. «أوهييايسا» يثبت هنا أنه ليس ثمة طقوس دينية للزواج بين الهنود، بينما على الجانب الآخر تم تقديس العلاقة بين الرجل والمرأة لغموضها وقداستها، وهذا يرجع إلى إيمان الهنود بأن الاثنين اللذين يقعان في الحب يجب أن يتحدا سراً قبل الاعتراف العلني باتحادهما، ويجب أن يتذوقا مجدهما مع الطبيعة. يتحدث المؤلف كذلك عن المرأة الهندية، ويقول: ليس هناك شيء مفتعل في شخصيتها، التي تفتقر قليلاً إلى الصراحة؛ إذ إن تدريبها المبكر والملائم وتحديد مهمتها وسلوكها الديني العميق وَهَبتها القوة والاتزان اللذين لا يتغلب عليهما مكروه مألوف. في «الروح الهندية»؛ نقرأ أيضًا أن الحب بين الرجل والمرأة قائم على غريزة التزاوج ولا يخلو من الرغبة والبحث عن الذات، لكنْ أن تجد صديقاً وأن تكون صديقاً حقيقياً تحت وطأة أيٍّ من المِحن، فهذه علامة من علامات الرجولة، وأسمى أنواع الصداقة هي صداقة الشقيق الصديق، أو صديق الحياة والموت. وفي الكتاب؛ أن الهندي الأحمر احتفظ بالطب لصيقاً بعالم الروحانيات، لكن كثيراً ما أُسيء فهمه، وفي الواقع أن كل ما أبقاه مقدساً أسماه طباً على نحو عشوائي في الإحساس بالسحر والغموض، فيما امتلك الطبيب الهندي تأثيراً مغناطيسياً شخصياً وقوةً نافذةً، ودائماً ما يبحث علاجه عن إعادة التوازن للمريض عبر التأثيرات العقلية والروحية كنوع من العلاج النفسي البدائي. هنا نعرف أيضاً أن الهندي الذي لم يستخدم في كل حروبه وفي الطب سوى غليونه الخاص، تعلم جوهر الأخلاق من امرأة غير مثقفة علمته أشياء بسيطة لكنها عظيمة الأهمية وذلك بمساعدة الطبيعة العزيزة ذاتها. وفي طفولته تعلم الهندي الأحمر معنى قوة الرجولة والجمال، وتعلم أن بلوغ الهدف يعتمد على الاعتدال الصارم في المأكل والعلاقة الجنسية، والصرامة والاستمرار معاً. ولم يُسمح للهندي قط أن ينسى أنه لا يعيش لنفسه فحسب، ولكن لعشيرته وقبيلته ولذا فقد تحكّم في نفسه مبكراً. ومثلما نجح «أوهييايسا» في أن يُرينا عن كثب حياة الهندي منذ كونه جنيناً، ماراً بعبادته ومعتقداته، إلى أن يُحمل على خشبة الموتى، ناثراً أمامنا تفاصيل حياته وأفكاره وطقوسه الدينية، ومبادئه التي يجعلها منهاجاً يسير على هُداه، كذلك أجاد المترجم الحسين خضيري في نقل النص إلى العربية، مهتماً بالهوامش؛ شارحاً ومضيفاً بعض المعلومات التي تجعل النص سهل التلقي.