كان واضحاً أنّ الصواريخ التي أُطلِقت على قاعدة الشعيرات العسكريّة في سورية، لم تكن كرمى عيون السوريين. قالها الرئيس الأميركي بوضوح: إن استعمال الكيماوي والغازات السامّة مضرّ بالمصالح الأميركيّة. نقطة على السطر. كُتِب الكثير عن مبرّرات الضربة الأميركيّة، ولا ضرورة لاستعراضها مرّة أخرى منعاً للتكرار. لكن يجب الإشارة إلى العناوين العريضة لتلك المبرّرات: تضاؤل شعبيّة ترامب على الصعيد الداخلي، إيصال رسائل غير مباشرة لإيران وكوريا الشماليّة، استعادة الزمام في الأزمة السوريّة من موسكو، إثارة قلق النظام السوري والبدء بخلخلته... إلخ. مصلحة الولاياتالمتحدة حتّمت الضربة العسكريّة! لغة المصالح هي التي تسود. لا مكان للعواطف. أثناء الحرب العراقيّة- الإيرانيّة قال هنري كيسينجر جملته الشهيرة: حظاً سعيداً للاثنين معاً (Good Luck for Both). كان من مصلحة الولاياتالمتحدة إنهاك الطرفين. عملت واشنطن على تسليح صدام حسين وفي الوقت ذاته ساهمت بتزويد طهران أسلحة من إسرائيل (عملية الكولونيل نورث الشهيرة). وحدها المصالح تتكلم، لا شيء غير ذلك. ويا لها من مفارقة، فلقد غضّت واشنطن وأوروبا أبصارهما عن عمليّة الإبادة الكيماويّة التي قادها علي حسن المجيد نيابة عن نسيبه صدام حسين في الثمانينات على الأكراد في حلبجة والتي أدّت إلى مقتل 5000 كردي بالغازات السامة بينما صعقت عمليّة الأسد الكيماويّة على خان شيخون السوريّة، أنظار واشنطن. من الخطأ الظنّ أو الاعتقاد أن رئيساً أميركياً ما منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، ولحينه، كان مؤيداً للعرب، وإذا حدث ذلك فلأن المصالح الأميركيّة في هذه القضيّة أو تلك، تلاقت مع المصلحة العربيّة. وهنا يكمن التحدّي: كيف نجعل مصالحنا من أولويات مصالح واشنطن؟ أثناء العدوان الثلاثي على مصر (فرنسا- بريطانيا- إسرائيل) عام 1956، وحده الضغط الذي مارسه الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور أثمر في وقف العدوان. تبع ذلك شهر عسل بين واشنطن والقاهرة لم يدم لأسباب لا ضرورة لذكرها. وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فلقد أضحت القضيّة الفلسطينيّة بسبب الحسابات الخاطئة لقادتها، قضيّة معلّقة إلى أبد الآبدين. عام 1978، أدرك الرئيس الراحل أنور السادات أن الحلّ يكمن في إقناع «الإستبلشمنت» الأميركيّ بضرورة إيجاد حلّ للقضيّة الفلسطينيّة، ومع كل مساوئ معاهدة «كامب ديفيد» فالثابت أنه لم يكن هناك من مستوطنة إسرائيليّة واحدة عام 1978 في الضفّة الغربيّة. ومع ذلك استُبعِدت الحلول العقلانية لدى ما سمّي آنذاك محور التصدّي والصمود، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه من تعنّت إسرائيلي وزرع مزيد من المستوطنات في الضفّة. يجدر التذكير أيضاً بالدور الأميركي في حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت، من الغزو العسكري لصدام حسين. المصالح الأميركيّة، حتّمت آنذاك التدخل العسكري. لم يكن هناك من مناص آخر. من المؤسف أن الردّ الأميركي، يحدث أن يكون نتيجة سوء تقدير للعواقب الوخيمة التي اتخذها الطرف المبادر في إشعال فتيل الأزمة. أساء صدّام حسين فهم عدم ممانعة السفيرة الأميركيّة غلاسبي حين لمّح لها بنيّته غزو الكويت... فحدث ما حدث. لا ندري من أوحى للأسد باستعمال الكيماوي، علماً أنّ الروس يتحكّمون بالأجواء السوريّة. ثمّة من يقول أن الرئيس بوتين مدفوعاً بغروره أوعز بالضربة انتقاماً وردّاً على تفجير سان بطرسبورغ. الاثنان، بوتين والأسد، أساءا –كما فعل صدام حسين مع السفيرة الأميركيّة غلاسبي– تقدير الأمور، فالضربة العسكريّة على مطار الشعيرات جاءت بعد تصريحٍ لمندوبة أميركا في الأممالمتحدة نيكي هايلي... «إن أولوياتنا لم تعد الجلوس والتركيز على إزاحة السلطة من الأسد (30/03/2017)». ظنّ حاكم دمشق أنّ مقولته «الأسد إلى الأبد» هي ما تؤمن به واشنطن!! لكنّ حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر. فبعد عشرة أيام على تصريحها السابق، ذكرت هايلي لCNN أنّ «تغيير نظام الأسد هو إحدى أولويات الرئيس الأميركي...!!»، علماً أنّ ناطقاً باسم الكرملين صرّح قبل ساعات من الضربة الصاروخيّة الأميركيّة، بأنّ موسكو «لا تمنح الأسد تأييداً مطلقاً، وليس صحيحاً أنّ موسكو بوسعها إقناع الأسد بما يريدونه في موسكو (الوكالات، 8/4/2017)». لا شكّ في أن الدقائق الخمس التي أُطلِقت خلالها صواريخ التوماهوك الأميركيّة سيكون لها وقعٌ كبير، مع تداعياتٍ سوف تساهم في تغيير بوصلة الأزمة السوريّة، ففي تعليق على الغزو الأميركي للعراق عام 2003، قال العضو البارز في الحزب الشيوعي السوري رياض الترك: «انتقلنا من تحت الصفر... إلى الصفر». فهل تُحدِث صواريخ التوماهوك ال59 الفعل ذاته في سورية؟!