يعرض حالياً في صالات مونتريال فيلم «أعراس» Noces. وهو من النوع الدرامي الروائي الطويل (138 دقيقة) وناطق باللغتين الإنكليزية والعربية. ومن بطولة الممثلة لينا العربي (18 سنة) من أصل باكستاني تؤدي الدور المركزي إلى جانب ممثلين من جنسيات متعددة فرنسية وبلجيكية ولوكسمبورغية. والفيلم من إخراج وسيناريو البلجيكي ستيفان ستريكر الذي استوحى مضمونه من واقع الجالية الباكستانية المحافظة المقيمة في بلجيكا واطلاعه عن كثب على عاداتها وتقاليدها الاجتماعية وشدة تمسك أبنائها وبناتها بثقافتهم وعقائدهم ومظاهرهم الدينية. ومن الملاحظ أن ستريكر يترك للمتفرجين فسحة كبيرة في الفيلم للتأثر العاطفي وفرصة للتفكير والتأمل العقلاني. رؤيتان متعارضتان يبدو «أعراس» للوهلة الأولى أداة دعائية تضع المعايير الاجتماعية للزواج المدبر (700 مليون امرأة في العالم متزوجة قسراً)، فزهيرة (لينا العربي) خضعت لضغوط متواصلة من جانب أهلها لحملها على الزواج قسراً من رجل لا تعرفه ولا تحبه. فالخيارات أمامها محدودة في مجتمع باكستاني محافط قائم على حكم التقاليد والأعراف ويحظر على الأنثى أن تعيش حياتها ومشاعرها كما تحب وترغب أو أن تختار الزوج الذي تريد، سيما وأنها لا تزال في مقتبل العمر وعاشت وترعرعت وتعلمت في مدارس بلجيكية، هي التي ما زالت في الوقت ذاته قريبة جداً من أفراد عائلتها وتعيش معهم بحب ومودة ووئام، سيما أخيها الأكبر وأختها التي تزوجت زواجاً تقليدياً. وفي ظل هاتين الرؤيتين المتعارضتين أصبحت زهيرة ممزقة بين حبها لعائلتها المحافظة وتوقها الشديد لنمط الحياة الغربية التي اندمجت فيها وصيرتها جزءاً منها. وعلاوة على هذا النمط من ازدواجية المعايير التي تتحكم في الفيلم من أوله إلى آخره، ثمة مشاهد تُظهر زهيرة امرأة حاملاً عن غير قصد نتيجة علاقة عاطفية غير مشروعة. وهي على الرغم مما تبديه من حب شديد لطفلها الموعود (عاطفة الأمومة) نجدها لا تريد أن يستمر حملها به، فأي قرار تود اتخاذه، سواء بالاحتفاظ بالطفل أو بالتخلص منه يتعارض في النهاية مع الدين ومواثيق الشرف والأخلاق والتقاليد، فضلاً عن مواقف الأهل المتصلبة. وهي بالتالي وجدت نفسها في حالة حرجة استدعت عملية إجهاض من جانب شاب باكستاني، إلا أن هذا الأخير عدل عن إجرائها في اللحظة الأخيرة، فقررت زهيرة ألا تخبر أحداً وتابعت حياتها العادية رافضة أي زواج آخر يجعل مصيرها رهناً لقوة التقاليد. هوة بين ثقافتين يحمل الفيلم في ثناياه صراعاً بين ثقافتين متعارضتين: التقاليد والحداثة. وهذا الصراع لا يحسم حتى اللحظة الأخيرة، حيث يبدو أن كل شيء أمر ممكن، فالفيلم يتبع سياسة الشيء ونقيضه ويترك الكلمة الفصل للحرية، والرأي الحاسم للجمهور. وهنا تظهر قوة الفيلم في حياديته وابتعاده من إصدار الأحكام والإدانات، واحترامه مواقف الجميع ومشاعرهم، ممثلين ومشاهدين، الذين يخرجون متأثرين جداً، وبعضهم إلى درجة البكاء، بعد عرض استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة. باختصار، يبقى الفيلم بطبيعته نسوياً يجسد في شخصية زهيرة، قوة المرأة وضعفها، كما هو مشروع مزاوجة بين التقاليد والتمرد عليها، وفيه من الإحباط بمقدار ما فيه من مقاومة الظلامية التي تلزم المرأة بالصمت القاتل. في هذا السياق يصف الناقد السينمائي في جريدة «لا برس» المونتريالية مارك أندريه لوسييه، الممثلة زهيرة بأنها «رمز وبطلة». فهي «تقول لا في اللحظة المناسبة. وهذا النموذج يستحق الثناء والحديث عنه». أما ما لفت أنظار النقاد الكنديين، فهو استعانة المخرج بالإنترنت وإدخالها وسيلةً جديدة إلى صميم التقاليد المحافِظة وجعلها على تماس مع الحداثة والتكنولوجيا. وتجسد هذا البعد في مشهد اللقطة العاطفية التي تجمع زهيرة وزوجها الباكستاني على شاشة «سكايب». ووصفت تلك اللحظة بأنها «مأسوية وكوميدية في آن».