شهدت أكثر من صالة في مونتريال عرضاً أول لفيلم «النبي» المستوحى من بعض فصول كتاب جبران خليل جبران (صدر هذا الكتاب للمرة الأولى بالإنكليزية في العام 1923 ليعتبر منذ ذلك الحين أحد أكثر الكتب شهرة وانتشاراً في العالم ويترجم إلى نحو خمسين لغة ويباع منه بحسب ما تقول الحكاية المبالغ فيها على الأقل، حوالى 120 مليون نسخة). الفيلم أميركي طويل (86 دقيقة). وجاء بأسلوب الرسوم المتحركة. والتي تعرض الآن في مقاطعة كيبيك الكندية هي نسخته الأصلية باللغة الإنكليزية، مع ترجمة في أسفل الشاشة إلى اللغة الفرنسية. والفيلم بشكل عام هو ثمرة جهود فريق عمل شاركت فيه أصوات نخبة من مشاهير الممثلين أمثال ألفريد مولينا، وجون كرازنسكي، وفرانك لونجيلا، وليام نيسون، ولا سيما الممثلة المكسيكية الكبيرة من أصل لبناني سلمى حايك التي كان لها دور أساسي على أية حال في ولادة المشروع وإنتاجه، إضافة إلى كاتب السيناريو والمخرج السويسري روجر ليرز (يحتل مكانة متميزة في عالم الرسوم المتحركة التي اشتهر بها في روائع سينمائية باتت كلاسيكية في هذا المجال مثل «الأسد الملك» و«علاء الدين» و«الحسناء والوحش»)، أما الألحان الجميلة وذات النفس الشرقي فهي من وضع الموسيقي اللبناني الفرنسي غابريال يارد. يتضمن الفيلم تسع قصص قصيرة منتخبة من بين 26 قطعة يتألف منها هذا العمل للشاعر جبران خليل جبران. وأنجز القصص في رسوم متحركة تسعة من مشاهير مبدعي هذا النوع من الرسوم الصور في العالم من الذين تضافرت جهودهم ليضفوا على العمل مسحة جمالية راقية أعادت الحياة للقصائد والشاعر معاً. البداية مع شاعر سجين تنطلق أحداث الفيلم من قرية ساحلية على المتوسط حيث يقضي مصطفى (صوت ليام نيسون) الكاتب والشاعر عقوبة السجن منذ سبع سنوات تحت الإقامة الجبرية بسبب مغالاته بأفكاره التحررية وميوله الليبرالية التي اعتبرت من قبل السلطات الحاكمة أعمالاً خطيرة. وكان مصطفى على وشك أن يطلق سراحه ويعود إلى مسقط رأسه. لكن الجنود المولجين بحراسته لم يسمحوا له بذلك. هذا التصرف لاقى اعتراضاً من قبل الطفلة (الميترا) التي تعيش مع أمها (كاميلا) زوجة مصطفى، علماً أن الاثنتين كانتا تبديان خشية على مصيره. وفي طريقه إلى المرفأ بصحبة الرقيب الغاضب (صوت ألفريدو مولينا) كان مصطفى يُستقبل كبطل من القرويين لدى تلاوته على مسامعهم قصائد تضج بالجمال والحب والحرية والأفكار التحررية، في الوقت الذي كانت صديقته الطفلة الخرساء المضطربة تخشى على مصيره من مماطلة الحكومة، وتتوسل بعناد إلى إقناع أمها كاميلا (سلمى حايك نفسها) بإيجاد وسيلة للإفراج عنه. تنويه وتقدير كنديان وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عرض «النبي» في كندا لاقى ولا يزال يلاقي ثناء وتقديراً وإعجاباً لدى كثر من النقاد الكنديين الذين رأوا أن جمع القصائد المنتخبة وتقديمها في فيلم من الرسوم المتحركة، كان أفضل طريقة لعرض مثل هذه الحكاية الفلسفية إلى الجمهور من جهة، وعملاً رائعاً يعيد إلى الأذهان شهرة ومكانة جبران العالمية من جهة ثانية. ويعتقد أندريه ديشين الناقد السينمائي في جريدة «لابرس» المونتريالية، أن مشروع المخرج ليرز «النبي» هو «أكثر كلاسيكية وأقل بهرجة من أعماله السابقة». و«يكتسي مسحة جمالية أنيقة مشبعة بالبراعة والدروس وعبر الحياة». وهو «يتحدث إلى جمهور من الآباء والأمهات والشباب والأطفال ويطلق لكل منهم مادة للنقاش لحظة خروجهم من الصالة». أما الناقد مانون دومي في جريدة «لو دوفوار» فيرى أن الفيلم «يلقي الضوء على مقالات للكاتب اللبناني جبران خليل جبران»، و»يقدم رؤيته للحياة والإنسان ويبعث برسالة تعبق بالسلام والمحبة والإخاء»، مشيراً إلى أن تحويل القصائد الشعرية إلى رسوم متحركة يتيح المجال للتعبير والإخلاص لتعزيز فكرة الفيلم. كما يشيد الناقد بإبراز حكاية الفتاة العنيدة «الميترا» التي تنشأ بينها وبين السجين الشاعر مصطفى صداقة «تعبر في شكل رائع وعفوي عن الحرية والمشاعر الإنسانية من خلال الفن والموسيقى والشعر». يذكر أخيراً أن الفيلم لاقى إقبالاً واسعاً واعتبره بعض النقاد من الأفلام المرشحة بقوة إلى الأوسكار بعد تحويل قصائد الشاعر جبران إلى قطع فنية راقية.