حمّى استضافة الوجوه نفسها قائمة ومتبادلة في أكثر من محطة فضائية. وليس على المشاهد إلا الاستعانة بسلطة «الريموت كونترول» ليتنقل بين حصيلة أسبوعين من المشاهدة الدؤوبة حتى يكتشف أن شخصية ما حلّت ضيفاً في برنامجين على الأقل خلال هذين الأسبوعين، وكأن الأمر أصبح مجرد اقتفاء أثر للضيوف يقوم به هذا المعد أو ذاك تحت مسميات مختلفة. بالطبع ليست مشكلة أن تتسابق الفضائيات نحو شخصيات بعينها يمكنها أن تضيف شيئاً جديداً إلى المشهد الثقافي أو الفني أو الاجتماعي، ولكن أن تصبح المسألة مجرد استنساخ برامجي، فإنها تُفقد البرنامج ذاته نكهة الابتكار التي تفترضها البرامج الجادة، خصوصاً أن كل واحد منها يدّعي لنفسه اسماً يفترض في نهاية المطاف أن يدعم هويته لا أن يعوّمها على السطح. الإعلامي السوري ابراهيم الجبين معد ومقدم برنامج «علامة فارقة» الذي تبثه الفضائية السورية أسبوعياً لا يشكو من ندرة – على ما يبدو – في استقدام الضيوف الملائمين لبرنامجه، لا بل هو يشكو من أن هناك من يقتفي آثار ضيوفه في برامج أخرى. «علامة فارقة» أخذ يحظى بشعبية متزايدة لدى المشاهد السوري، وهي شعبية قد تجد نفسها ضحية المشهد التلفزيوني نفسه اذا لم يلجأ الجبين إلى تأكيد هوية حاسمة لبرنامجه، فقد بدا البرنامج في بعض حلقاته الأخيرة (حلقة نجدت أنزور) غاصاً به وبضيفه، اذ تفترض العلامة الفارقة هنا أن تستمد هويتها من الضيف نفسه، ومن المكان الذي يشكل وعاء أساسياً لأفكاره ورؤاه، لا من مصوّب الكاميرا التلفزيونية وحده. هذا الضيف الذي يمكن من خلال هويته الفنية أو الثقافية أن يرسم معالم الفضاء اللازم لتتشكل فيه الفرادة المفترضة أو حتى المتخيلة منها، لأنه بعكس ذلك يمكن أن ينجرّ الضيف والمقدم إلى منازلة تلفزيونية يتخللها كثير من المشاكسة والاستفزاز ونكء الجراح للوصول إلى أعماق الأول، وهو الهدف المفترض للبرنامج. ولكن حلقة أنزور بالنظر إلى تحفظاته المفاجئة في اجاباته المقتضبة لم تنفع معها هذه المشاكسة في فضاء أخذ يضيق به وبمضيفه. «علامة فارقة» كان سبّاقاً لا شك في الوصول إلى بعض الشخصيات الفنية والأدبية المتميزة، لكن الجبين تمكن من الوصول إليها بحرية أكبر، وإن لم تكن هذه الشخصيات بالأهمية ذاتها، وهي لم تكن كلها علامات فارقة. ولكن البرنامج بإعداده وتقديمه كان مدخلاً جيداً نحو حوارات شيقة ورشيقة لم يعهدها التلفزيون السوري... خصوصاً أن هذه الشخصيات كانت موجودة بيننا على الدوام ولم تكن على سطح المريخ يوماً!