أكد صاحب دار الرونة للنشر والتوزيع الكاتب محمد المنقري أن الموضوع المطروح من أسوأ الظواهر الثقافية في الساحة المحلية، وهي نتيجة سلسلة من العثرات التي عرفتها آليات النشر والتوزيع لدينا؛ ومن أهمها: عدم وجود صناعة نشر تسير وفق عمل مؤسسي مدعوم بحرية إتاحة وسائط المعرفة؛ إذ تقتضي أدبيات هذه الصناعة توافر مناخ ثقافي نشط وحُرٍّ يواكب الانفتاح السائد على مستوى العالم. ومن المؤسف أن كثيراً من الأعمال التي يتعاطى معها الرقيب بحساسية مفرطة تبحث عن حياتها في فضاءات الآخرين، ومن طرائف الرقيب لدينا أن أعمالاً لوزراء ورجال دولة تقف على رأس قائمة الممنوعات، منها مؤلفات لوزير الثقافة الأسبق، إذ سُحبت بعض أعماله من المؤسسات التربوية، ووزير الثقافة الراهن، الذي أعلن في مناسبة قريبة أن كتبه مُنعت من دخول الساحة السعودية، كما منع الرقيب عدداً من كتب الراحل غازي القصيبي! مؤكداً عدم وجود دور نشر متخصصة تراعي أصول المهنة وأدبياتها مثل عمليات المراجعة الأدبية والعلمية وأعمال التحرير والتدقيق، ثم توقيع عقود عادلة بين الأطراف المشتركة في التأليف حتى تضمن الحق للجميع وتمنع عمليات الاستبداد وانتهاك مبادئ الملكية الفكرية، ثم تأتي بعد ذلك عمليات الإخراج والتنفيذ وتصميم الأغلفة. وهي مرحلة تتطلب خصائص معيّنة تفتقر إليها كثير من دور النشر والمطابع المحلية، إضافة إلى عدم وجود مطابع ذات جودة عالية وأسعار معقولة قياساً بالمطابع في مراكز جذب المبدعين مثل بيروت والقاهرة، وضعف عمليات التوزيع وانخفاض مستوى المشاركة في المعارض الداخلية والخارجية، وعدم الاهتمام ببرامج الترويج والدعاية مثل حفلات توقيع الكتب والإهداء لكبار الكتاب والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية المتخصصة، وكتابة القراءات النقدية والمراجعات لهذه الإصدارات. واهتمام وسائل الإعلام بالكتاب الصادر في الداخل قياساً بما يصدر عن دور النشر في الخارج. وأكد المنقري أن الضعف المادي والمعنوي للمؤسسات الثقافية مثل الأندية الأدبية، وعدم وجود خطط واضحة في مجال النشر، وضعف لجان التقويم، وتباعد الفترات بين الإصدارات أسباب أخرى تضاف إلى ما سبق. وبيّن المنقري أن العناصر كافة التي تتطلبها صناعة النشر والتوزيع لا يتحقق منها في ساحتنا المحلية إلا نسبة ضئيلة جعلتها في وضع مؤسف يضطر كثيراً من المؤلفين والمبدعين للبحث عن دور خارجية تستوعب عطاءاتهم ومشاريعهم الإبداعية، وهو أمر يستدعي قيام دراسات معمقة تبحث عن جذور المشكلة وتقدم حلولاً حقيقية تفي بما يوجبه العصر الحديث من نهضة في مجال يشكل مصدراً جيداً للتاريخ الثقافي المحلي ومورد دخل مالي يُعد أحد روافد الاقتصاد العام، خصوصاً إذا علمنا أن الساحة السعودية من أكبر المستهلكين لما تقدمه دور النشر والمطابع الخارجية.