عاشت على المسرح وماتت في غرفة العمليات الجراحية. فجر الأربعاء -الخميس، توقف قلب المسرحية رجاء بن عمار عن النبض، ولم تنجح الجراحة. لم يمهلها الموت. وبقي صوتها في مشهد من مسرحية «تمثيل كلام»: «تتخايلوني مت؟ يمكن... أما ما زلت ماقلتش اش نحب نقول... مالقيتش وقت... آه». قالت ذلك العام 1980 وزادت أن «منظر تونس وانا الفوق يشبه بلاد الموتى» كما تظهر في التلفزيون. تفاعلت تونس مع موت بن عمار على شبكات التواصل الاجتماعي. ونعتها وزارة الثقافة ووصفتها بأنها عمود من أعمدة المسرح التونسي ورمز من رموزه. وخاطبها توفيق الجبالي: «كيف نواصل بدونك يا رجاء بن عمار؟». وكتب كل من يعرفها عن قرب أو من لا يعرفها، سيلاً من المنشورات الالكترونية اجتاحت المواقع. عبد القادر بن سعيد وهو قريب جداً منها ما زال صامتاً لم يتكلم ولم يفصح عن وجع وداع معلمته. هو واحد من الممثلين الذين أتت بهم رجاء بن عمار من خارج الدوائر المسرحية في مسرحية «وراء السكة». أتت بهم من حي شعبي تفصله عن حي قرطاج الراقي سكة قطار. لم يمارسوا المسرح وفجأة جاؤوا ليحولوا مشاهد حياتهم اليومية الى مشاهد مسرحية وينقلوا واقعهم الصعب الى خيال يحاكي حياتهم. سكت عبد القادر اثر موتها. فهي والدته مسرحياً، والآن هو ممثل مسرحي وسينمائي له صيت كبير. تنتمي رجاء بن عمار الى الجيل الذي تعلم المسرح في نطاق المسرح المدرسي في ستينات القرن العشرين. وترسخت تجربتها في ظل تطور مفاهيم التجربة المسرحية في السبعينات مع ميلاد تجربة المسرح الخاص المستقل الذي يؤمن بأن حرية الفنان تقتضي امتلاكه أدوات عمله من ناحية الهيكلة القانونية والإدارية والتقنية بما يتيح حرية التوجهات الفكرية والجمالية. وتبلور هذا مع ظهور أول شركة مسرحية خاصة هي «المسرح الجديد» 1974. ومثل إنشاء فرقة «مسرح فو» 1980 الميلاد الفعلي للمسرحية رجاء بن عمار مع المنصف الصائم شريكها في المسرح والحياة. وكانت مسرحية «تمثيل كلام» المنعطف الحقيقي في مسيرة رجاء بن عمار. ويفسر توفيق الجبالي أحد أفراد فرقة «مسرح فو» أن المسرحية تشكل شبه قطيعة مع الوظيفة التقليدية للأديب الذي هجر المسارح أمام اكتفاء المسرحيين باستنباط أدوات كتابتهم الخاصة. وأصبح النص المسرحي ينشأ من داخل الحركية المسرحية بقوانينها ومقوماتها وليس العكس في شكل فوقي من فعل الأديب. قدمت رجاء بن عمار المونودراما في مسرحية «ساكن في حي السيدة» عام 1989، حين قسمت رجاء المسرح الى قسمين بينهما حوض ماء يفصل بين عالم شخصية الفتاة العانس وعالم آمالها ومخاوفها وأحلامها التي يظهر فيها طيف رجل ما. وقدمت مسرحيات كثيرة من موقع الكتابة والتمثيل والإخراج منها «الأمل» عام 1986 و «بياع الهوى» 1995 و «الباب الى الجحيم» و «فاوست» و «برج الحمام» وغيرها، حتى مسرحية «نافذة على» عام 2016 . وسارت في الطريق التي فتحها إنشاء فضاء التياترو المستقل، فأنشأت فضاء «سيني مدار» بقرطاج في أواسط التسعينات. وقدمت تظاهرات وشاركت في تنظيم تظاهرات. وأصبح الفضاء جزءاً من بنية أيام قرطاج المسرحية. وحصلت النقلة في عمل رجاء عندما راحت تركز على الجسد المسرحي وسعت الى دمج أدوات الممثل مع أدوات الراقص ضمن تصورات كوريغرافية متطورة. وهي لم تذهب صراحة الى عروض الرقص المسرحي، لكنها وظفت الرقص في المسرح. وأنشأت تظاهرة «أيام الرقص المسرحي» التي ينظمها مدار قرطاج.