في إطار سياستها الرامية إلى مكافحة التدخين، وجهت كيبيك ضربة قاضية إلى المدخنين بعد أن استنفدت قرارات الحظر الصارمة التي اتخذتها ب «التقسيط» على مدى السنوات العشر الأخيرة. وتعتبر كندا في طليعة البلدان المكافحة للتدخين بمختلف وجوهه وعلى المستويين الأهلي والرسمي. ونظّمت وزارة الصحة في كيبيك أخيراً بالتعاون مع مدارس إبتدائية ومتوسطة، حملة تحت شعار «حرب ضد التدخين»، تضمّن جانب الإرشاد والتوجيه وحض الأبناء على دفع آبائهم وأمهاتهم إلى الامتناع عن التدخين داخل المنازل، تلافياً لما يُسمى مضار التدخين السلبي على حياتهم، وهدف الجانب الآخر لإحصاء التلامذة المدخنين. وأظهرت الحملة أن نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 سنة يدخنون من سيجارة إلى 7 سجائر يومياً، و20 في المئة من الذكور و25 في المئة من الإناث الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة يدخنون سراً وعلناً. وقد دفعت هذه المؤشرات الخطيرة، لا سيما على صحة النشء الجديد، الحكومة لإتخاذ تدابير رادعة منها: عدم بيع السجائر إلى من هم دون ال18 سنة والتدقيق في هوياتهم وأعمارهم تحت طائلة الغرامة المالية الباهظة، وسحب رخصة بيع السجائر من أصحابها، ومنع التدخين في الأماكن العامة والأندية الليلية، وتقسيم قاعات المطاعم والمقاهي إلى أجنحة للمدخنين وأخرى لغير المدخنين (تدبير أثار الكثير من التهكّم والسخرية لإستحالة حجب تصاعد الدخان بين منطقة وأخرى)، وحظر تصنيف علب السجائر خفيفة أو ثقيلة Light- regular، ووضع ملصقات عليها تحذّر من آفات التدخين على الصحة العامة مع نشر صور عن تعرّض المدخّن للإصابة بأمراض الرئة والسرطان، وتحذير الوسائل الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة، من نشر أو عرض إعلانات للسجائر، ومضاعفة أسعار علب السجائر وحجبها عن أعين المدخنين كلياً، إضافة إلى تدابير أكثر صرامة كحظر التدخين في الحدائق العامة وفي الباحات الخارجية الملاصقة للمطاعم والمقاهي أو على أرصفتها، وابتعاد المدخنين 9 أمتار على الأقل من مداخل المدارس والمحلات التجارية والمؤسسات العامة والخاصة. إنهيار «الجبهة الأخيرة» أمام هذه اللائحة الطويلة من إجراءات التحذير والمنع والمكافحة والتي لم تؤتِ ثمارها في شكل حاسم، صدر أخيراً القرار الذي يقضي على معاقل المدخنين في عقر دارهم. واللافت أنه لم يصدر عن الحكومة وإنما عن «جمعية حقوق غير المدخنين في كندا»، إحدى منظمات المجتمع المدني، التي تهتم بحماية حقوق المستأجرين من خطر التدخين السلبي المنبعث من جيرانهم المدخنين. ويوضح محامي الدفاع عن حقوق المستأجرين فرانسوا دامفوس، أنه «اذا كان أحد المستأجرين مدخناً ويقيم في مبنى مجاور لمبنى آخر أو تابع لوحدات سكنية عدة، يحق لمالك العقار إبلاغ المستأجر إلغاء عقد الإيجار عند انتهاء مدته القانونية»، لافتاً إلى أن هذا الإجراء وإن قضى على «الجبهة الأخيرة» التي كان يتحصّن خلفها المدخنون، فقد أثار سجالاً وجدلاً كبيرين في أوساط المستأجرين من جهة والمالكين ورجال القانون من جهة أخرى. وفي هذا السياق، أظهر استطلاع أجراه معهد «ايبسوس» Ipsos لحساب «جمعية حقوق غير المدخنين» وشمل ألف شخص يعيشون في مجمّع سكني متعدد الوحدات، أن واحداً من كل أربعة منازل يوجد فيه مدخّن واحد على الأقل. كما أكد أن 44 في المئة من المستأجرين غير مدخنين لكنهم يشكون من رائحة السجائر الكريهة التي تتسلل إلى منازلهم وتنتشر في أرجائها (ثيابهم، أثاثهم، جدرانهم، فضلاً عن تأثيرها على صحتهم). كذلك أظهر أن ثلث المستأجرين غير المدخنين اقترحوا على جيرانهم المدخنين وقف التدخين إلا أن 75 في المئة منهم لم يلتزموا بذلك. أما «رابطة مالكي الأبنية في مونتريال» فتؤكّد أن 60 في المئة من المالكين راضون عن المستأجرين غير المدخنين، ما خلا 30 في المئة يرفضون وقف التدخين في منازلهم وتجرى ملاحقتهم أمام المحاكم. إشكالات قانونية ولدى دراستها مجمل تلك الحالات توصلت المحامية كارين فورنييه إلى نتائج واضحة، مفادها أن من حق المالك أن يمنع مستأجراً جديداً مدخّناً في منزله. في المقابل، لا يحق للمالك أن يرفض المستأجر لمجرّد أنه مدخّن بل يتمنى عليه ألا يدخّن في المنزل. وتؤكّد أن «أحكاماً قانونية كثيرة تتيح التفاوض بين المالك والمستأجر المدخّن على الا يصل دخان سجائره إلى باحة جيرانه الداخلية أو الخارجية (الشرفة مثلاً)».