استغل نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف الغياب الأميركي عن مفاوضات جنيف، وكثف اتصالاته مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وممثلي الأطراف السورية، إضافة إلى معاون الأمين العام للخارجية التركية سيدات أونال، على أمل استمرار سير قطار العملية السياسية على السكة الروسية فقط بانتظار عودة السكة الأميركية لإحداث اختراق سياسي. ويشارك موسكو طموح بقاء العملية السياسية على قيد الحياة، دي ميستورا إلى حين حسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقاءه أو تعيين مبعوث جديد. وفريق المبعوث الدولي، أدخل ممثلي الحكومة و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة ومجموعتي موسكووالقاهرة في بحث تفاصيل «السلال الأربع» (الحكم، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب) وسط استمرار «حرب التسريبات» بين «الصقور» و «الحمائم» في وفد «الهيئة». وقال مسؤول غربي رفيع ل «الحياة» إن موسكو سعت أكثر من مرة لدى واشنطن لرفع مستوى انخراطها في مفاوضات جنيف واجتماعات آستانة، لكن أولويات الإدارة الأميركية في سورية باتت واضحة، وهي إلحاق هزيمة بتنظيم «داعش» ودعم «قوات سورية الديموقراطية» الكردية - العربية لتحرير الرقة من التنظيم والعمل على «تقليص النفوذ الإيراني»، إضافة إلى التخلي عن مبدأ «تغيير النظام» أو «الانتقال السياسي» في سورية، مع ترك روسيا «تغرق في تفاصيل المستنقع السوري سياسياً وعسكرياً». واقتصر تمثيل الإدارة الأميركية في آستانة على السفير الأميركي من دون أي تدخل، في حين لوحظ صمت المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني في الجولة السابقة من جنيف قبل أن يختفي في شكل كامل عن المشهد السياسي في الجولة الراهنة. وأوضح المسؤول: «الغياب التكتيتي، هو سياسة واشنطن الحالية»، ذلك في مقابل رفع مستوى انخراط موسكو وأنقرة في مسار جنيف وآستانة على رغم التحفظات المتبادلة وخصوصاً من الجانب التركي على مدى التزام روسيا وقف النار. غاتيلوف أجرى أمس، محادثات مع الوفد الحكومي برئاسة بشار الجعفري ويلتقي اليوم المسؤول التركي، إضافة إلى لقاءاته مع ممثلي مجموعتي موسكووالقاهرة وشخصيات مقربة من «الهيئة» وإلى احتمال حصول لقاء ثان بينه (غاتيلوف) وبين رئيس وفد «الهيئة» نصر الحريري، بناء على نصائح من مجموعة «أصدقاء سورية» بما فيها الجانب الأميركي. ووفق مصادر، فإن رسالتي موسكو وأنقرة، إلى دي ميستورا، هما: الأولى، تشجيع الأطراف على الانتقال من مبادئ التفاوض إلى بحث تفاصيل «السلال الأربع». الثانية، تشجيع الأطراف المعارضة على الانتقال في شكل تدرجي من تشكيل مجموعات عمل إزاء هذه «السلال» إلى الاندماج أو الوفد التفاوضي الموحد. وقدم رئيس مجموعة موسكو قدري جميل اقتراحات عملية في هذا السياق. عناقيد «السلال الأربع» كان دي ميستورا سلم قبل توجه إلى البحر الميت للمشاركة في الاجتماع الوزاري للقمة العربية، إلى الأطراف السورية وثيقة (لا ورقة) تناولت عناقيد «السلال الأربع» والتفاصيل التي يجب أن تفكر الوفود بها وتقديم ردود خطية إزاء. وتناولت «السلة الأولى» شؤون الحكم بموجب القرار 2254 ومعاني عبارات «ذي صديقة وشامل وغير طائفي» وكيفية استمرارية المؤسسات والخدمات» ومهمات نظام الحكم، وسلطاته، فيما تناولت الثانية الأمور المتعلقة بالدستور وعناوين تتعلق بكيفية صوغ الدستور وإقراره. واقترح دي ميستورا ان يبحث ممثلو الوفود في «السلة الثالثة» في تفاصيل الانتخابات ودور الاممالمتحدة واهلية سوريي الشتات للمشاركة. وتناولت «السلة الرابعة» ب «مكافحة الإرهاب وحوكمة الأمن وإجراءات بناء الثقة ومقاربة الظروف المولدة لانتشار الإرهاب» و «المؤسسات المتعلقة بمحاربة الإرهاب والتعاون الدولي... ووحدة القيادة في ما يتعلق بالقوات المسلحة النظامية وغير النظامية والسلطات والرقابة على المؤسسات الأمنية ومسألة القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب». الوفد الحكومي الذي كان اقترح إضافة «السلة الرابعة» ويعطي أولوية «مكافحة الإرهاب»، قدم ورقة تضمنت «بنوداً موثقة تتعلق بتمويل وتسهيل مرور إرهابيين من دول الجوار وصولاً إلى الدعم الإعلامي الذي يحظون به وضرورة أن يتوقف كل ذلك من أجل المضي في الحل السياسي». وأشارت «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) إلى أن الجعفري قدم إلى السفير رمزي عز الدين رمزي نائب دي ميستورا أول أمس بحث «سلة الدستور وقدم ورقة مبادئ أساسية للبدء في شكل صحيح في أي حوار حول العملية الدستورية، وتم تسليم الورقة لرمزي على أن يعرضها على الأطراف الأخرى لإقرارها». لكن اللافت، أن الجعفري أبلغ غاتيلوف وفريق المبعوث الدولي عدم وجود عدد كاف من الخبراء لبحث تفاصيل «السلال الأربع» مع تفضيله بحث الإرهاب، ما أثار احتمال تسلمه «نصائح» من غاتيلوف بالحلحلة كما حصل في الجولة السابقة. «صقور و «حمائم» وقدم وفد «الهيئة» وثيقة، حصلت «الحياة» على نصها، تضمنت «الإجراءات الدستورية الناظمة للمرحلة الانتقالية» عبر «التأكيد على جوهر العملية السياسية الذي يتطلب التعمق في بحث تشكيل هيئة الحكم الانتقالي باعتبارها الخطوة الرئيسة في عملية الانتقال السياسي بموجب القرارين 2118 و2254. وبمجرد إعلان الاتفاق السياسي بين طرفي المفاوضات وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي، على (الرئيس) بشار الأسد وزمرته الذين تلطخت أيديهم بالدماء التنحي عن السلطة ومحاكمتهم». وأضافت: «هيئة الحكم ستمثل السلطة السيادية الوحيدة للدولة، بحيث تكون خطوات تأسيسها تشمل أن الاتفاق السياسي يجب أن يتضمن إقرار الإعلان الدستوري الذي سيحكم المرحلة الانتقالية، ويتضمن تشكيل الهيئة كامل السلطات التنفيذية ونقل سلطات رئيس الجمهورية والحكومة إليها بما في ذلك سلطات الرئيس على الجيش والأمن وتبادل الهيئة بمجرد تشكيلها لممارسة هذه السلطات» على أن يتمتع الاتفاق السياسي ب «صفة دستورية معترف بها دولياً ووطنياً» وتجتمع فور تشكيلها و «تقرر وقف العمل بالدستور الحالي وإصدار الإعلان الدستوري». بعدها عقد اجتماع بين وفد «الهيئة» وخبراء قانونيين من مكتب دي ميستورا. ووفق وثيقة أخرى، أبلغ أحد الخبراء الدوليين الحريري بأن الحديث عن «رحيل الأسد وزمرته، ليس وارداً في القرارات الدولية»، الأمر الذي رد عليه الحريري، قائلاً: «القرارات الدولية تتحدث عن التوافق، بالتالي فإن هيئة الحكم عندما تأخذ السلطة التنفيذية يمكن أن يكون الرئيس بشار جزءاً منها وهيئة الحكم وبالتالي لم يعد رئيساً والرئاسة لم تعد موجودة. هذا يتم إذا قبل الطرف الآخر، أي نحن». تسريب هذا المقطع وصورة محضر الاجتماع، أثار تجاذباً بين أطراف وفد «الهيئة» وخصوصاً بين الحريري رئيس الوفد ومحمد صبرا «كبير المفاوضين»، إضافة إلى تغريدات القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش الذي لم يحضر إلى جنيف. وأشار مراقبون إلى وجود تيارين في «الهيئة» أحدهما «صقور» وآخر من «الحمائم»، الأمر الذي تطلب أن يعلن الحريري في مؤتمر صحافي مواقف حاسمة من دور الأسد. رئيس مجموعة القاهرة جمال سلمان عكف مع فريقه على تقديم ورقة خطية فيها إجابات عن أسئلة دي ميستورا، باعتبار أن الانتقال من العموميات إلى التفاصيل «أمر إيجابي» تمّ التعبير عنه خلال لقاء المجموعة مع غاتيلوف أمس، في حين انتهت مجموعة موسكو من ردودها مع التأكيد على أنه «حين تتواجد الإرادة السياسية الحقيقية والمخلصة للمضي باتجاه الحل السياسي فإنّ نقاش السلال كلها ممكن ليس ضمن جولة واحدة فحسب، بل وضمن اجتماع واحد أيضاً» مع التحذير من «محاولات بعض الأطراف لإفشال المفاوضات».