لم تحسم مصادر وزارية لبنانية ما إذا كان مجلس الوزراء في جلسته اليوم برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الكبيرة، سيتوصل إلى إجراء مراجعة نهائية لمشروع الموازنة العامة للعام الحالي، في ظل التباين حول الرقم المالي المقترح لها، بين موقف لوزراء حزب «القوات اللبنانية» يقترح استنساخ مشروع الموازنة الذي كان مقرراً للعام الفائت، وآخر يطالب بزيادة الاعتمادات المالية بذريعة أن هناك ضرورة لها. لكن وجود مثل هذا التباين لم يعد يبرر -كما قال عدد من الوزراء ل «الحياة»- التأخر في إقرار مشروع الموازنة تمهيداً لإحالته على البرلمان للنظر فيه والتصديق عليه بعد إدخال تعديلات على بعض الأبواب المالية الواردة فيه، إلا إذا ارتأى بعض الوزراء استمهال إقراره إلى حين إصداره في نسخة منقحة عن مجلس الوزراء في جلسة تعقد برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون. ويعزو الوزراء عدم التأخير إلى وجوب تفرغ مجلس الوزراء للبحث في قانون الانتخاب الجديد بعد أن أدت اللجنة الرباعية التي تطوعت لوضع عناوينه الرئيسة قسطها إلى العلى ولم يعد من الجائز تمديد عملها بلا جدوى، خصوصاً أن المقترحات الانتخابية، وجلها تقدم بها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، أشبعت درساً وأتاحت للجميع في داخل هذه اللجنة إبداء رأيهم في المقترحات التي تراوحت بين مطالبة «حزب الله» باعتماد النسبية الكاملة في لبنان دائرة واحدة، أو تقسيمه إلى 13 دائرة كما ورد في مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وبين إصرار معظم الأطراف على القانون المختلط الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري، فيما تتطلع الأوساط السياسية إلى الموقف النهائي ل «تيار المستقبل» في ظل «الغموض البناء» الذي يكتنفه. ويؤكد هؤلاء أن لا مجال للتأخير في تهيئة الظروف السياسية لولادة قانون الانتخاب قبل حلول النصف الثاني من نيسان (أبريل) المقبل، مع أن لا مفر من التأجيل التقني كصيغة بديلة من التمديد، مراعاة لموقف رئيس الجمهورية. ويتردد، وفق الوزراء، أن التأجيل سيكون في مهلة أقصاها تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فيما يتناقل آخرون معلومات عن أن التأجيل سيمتد إلى ربيع 2018. إلا أن انشغال مجلس الوزراء في إجراء مراجعة نهائية لمشروع الموازنة لن يحجب الأنظار عن استعداده للبحث في ملف الكهرباء الذي تقرر وضعه على نار حامية ويمكن أن يناقش في جلسة اليوم في حال انتهت الحكومة من مراجعتها النهائية للموازنة وإلا سيتم ترحيله إلى جلسة غد الثلثاء. إلا أن الجديد في ملف الكهرباء يكمن هذه المرة في أن وزير الطاقة سيزار أبي خليل تقدم بمشروع تحت عنوان «الخطة الإنقاذية للكهرباء» تقرر إدراجه على جدول أعمال الجلسة. وعلمت «الحياة» أن الخطة الإنقاذية لا تلحظ طلب «القوات» وضع تصور يؤدي إلى خصخصة قطاع الكهرباء بمقدار ما أنها أقرب إلى الخطة التي كان وضعها سلفه الوزير باسيل وقضت باستئجار باخرتين تركيتين لتوليد الطاقة الكهربائية بذريعة التغلب على قسم من العجز الناجم عن تغذية العديد من المناطق بالتيار. ويرى عدد من الوزراء أن أبي خليل المنتمي إلى «التيار الوطني الحر»، وكان قبل توليه الوزارة مستشاراً لوزير الطاقة السابق، ليس في وارد إدخال أي تعديل على الخطة التي وضعها باسيل، القائمة على استئجار بواخر تركية لتوليد الطاقة. لكن الجديد- القديم في خطة أبي خليل يكمن في أنه يقترح على مجلس الوزراء استئجار ثلاث بواخر تركية، على أن تتم الاستعانة بالأولى فوراً ويصار إلى تأخير الاستعانة بالباخرتين الأخيرتين إلى مطلع العام المقبل، شرط أن يتم استبدالهما بالباخرتين المستأجرتين حالياً من وزارة الطاقة لحساب الحكومة اللبنانية، بذريعة أن كلفتهما أقل من الحاليتين وتغذيان التيار بطاقة كهربائية أكثر. ويتردد أن كلفة استئجار البواخر يرتب على خزينة الدولة 864 بليون ليرة، ما عدا الكلفة المترتبة على تأمين مادة «الفيول» لتشغيل هذه البواخر، بالإضافة إلى كلفة أخرى لشراء الطاقة الكهربائية من شركة تقوم بتوليدها بالطاقة الشمسية. كما يتردد أن وزير الطاقة يصر على حسم استئجار البواخر التركية قبل حلول حزيران (يونيو) المقبل، بذريعة أن هناك ضرورة قصوى لتقوية التيار الكهربائي قبل حلول الصيف الذي يستعد لاستقبال حوالى مليون ونصف مليون سائح، من بينهم عدد كبير من اللبنانيين الذين يودون قضاء العطلة الصيفية في الربوع اللبنانية. إضافة إلى أن هناك نقصاً في توفير التغذية بالتيار الكهربائي بسبب وجود عدد كبير من النازحين السوريين. ومع انه لم يعرف ما إذا كان استئجار البواخر سيتم عبر إجراء مناقصة أم بالتراضي، بذريعة أن عامل الوقت بدأ يضغط على البلد، وأن هناك ضرورة لتأمينها «غب الطلب»، إضافة إلى أن هناك من أخذ يشيع أن عملية استئجارها ستتم بواسطة الوزارة شرط أن تحظى بغطاء من مجلس الوزراء من دون العودة إلى البرلمان الذي من صلاحيته النظر في أي إنفاق جديد، فكيف إذا كان بهذا الحجم المالي وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد؟ ويقترح الوزير نفسه زيادة التعرفة المالية على استخدام الطاقة، وهذا ما يدعو إلى السؤال: كيف تمكن الموافقة على هذه الزيادة إذا لم يصر إلى تحسين جباية الفواتير الخاصة باستهلاك الكهرباء، لئلا تقع على عاتق من يسدد الفواتير؟ وفي هذا السياق، سأل الوزراء: هل أن إعادة تأهيل الكهرباء تتم من خلال استئجار بواخر تركية بدلاً من وضع برنامج عملي غير الذي كان وضعه باسيل واقتصر على استئجار باخرتين تركيتين؟ لذلك انشغلت الكتل النيابية الممثلة في الحكومة منذ يوم أمس، بدراسة ما ورد من تفاصيل في الخطة الإنقاذية للكهرباء، مع أنها تقتصر على التمديد لاستئجار البواخر من دون أن يبادر صاحب الخطة إلى وضع مشروع كامل، كخصخصة القطاع على سبيل المثال، كما اقترح «القوات» الذي قوبل باعتراض لا لبس فيه من وزراء «التيار الوطني»، وكأن هذا القطاع هو من صلاحيتهم ويحظر على الآخرين التعاطي فيه أو الاقتراب منه. وبصرف النظر عن المداولات التي سيشهدها مجلس الوزراء في خصوص هذه الخطة الإنقاذية، فإن هناك من يتوقع أن يتخللها اشتباك سياسي، على خلفية أنها تستنزف المال العام ولا تمهد الطريق أمام وضع مشروع حقيقي لإنقاذ ملف الكهرباء.