بعد مرور أكثر من شهرين ونصف شهر على رمضان، لا يزال بعض القنوات الفضائية يعلن نتائج استفتاءات أجراها عن الأعمال الدرامية العربية التي شاهدها الجمهور خلال الشهر. الملاحظة الأبرز في شأن الاستفتاءات هي تناقض نتائجها رغم أنها تتعامل مع رأي عام محدد، هو عينات عشوائية من البلد الواحد. هكذا يمنح استفتاء ما ممثلاً صفة الأفضل، فيما يمنح استفتاء آخر الصفة ذاتها لغيره، والشيء نفسه يحدث في ما يتعلق بأنجح الأعمال ككل، أو حتى بالإخراج وغيره من مفردات العمل الدرامي. ومن يتابع شروط التصويت في غالبية تلك الاستفتاءات يلحظ أنها تقوم على خيارات محددة، كأن تقدم القناة الراعية للاستفتاء قائمة من الممثلين النجوم وتطلب من مشاهديها اختيار الأفضل بينهم، أي أنها تستبعد مسبقاً أعداداً أخرى من الممثلين، وتضعهم خارج اللعبة. المسألة اللافتة هنا أيضاً أن قائمة الممثلين التي يطلب من المشاهدين اختيار أفضل الأسماء فيها لا تحتوي عادة إلا على أسماء الممثلين النجوم، ولا مكان فيها للممثلين الآخرين من ذوي الأدوار الثانوية المساعدة، على رغم أن براعة الأداء التمثيلي ليست بالضرورة مرتبطة بالنجومية، التي كثيراً ما تتحقق لصاحبها لأسباب أخرى لا علاقة لها بالموهبة التمثيلية. هو حرمان آخر، يوقع الاستفتاءات في تقصير أشد فداحة، إلى الحد الذي تأتي النتائج معه غريبة، وتثير الدهشة أحياناً. ذلك ليس نهاية مطاف تلك الاختيارات، ففي عالم الفضائيات العربية ما هو أكثر غرابة وبعداً عن الموضوعية، يتمثل بالمهرجانات الفنية التي تنظمها قنوات فضائية أو شركات إنتاجية وتختار لها بعضاً ممن ترغب في تكريمهم ومنحهم الجوائز باعتبارهم الأفضل، ونعرف أنها مهرجانات كيفية يتم خلالها تقاسم الجوائز الكبرى وفقاً للمصالح وعلاقات السوق. من الطبيعي أن تكون لنا كعرب آراؤنا النقدية التي تقوّم ما نشاهد، ومن المفيد أن يأتي هذا التقويم وفقا للأصول المتعارف عليها حرصاً على الحدود الدنيا من الصدقية. أما ما نشاهده في هذه الفضائية أو تلك فليس سوى «تظاهرات» تمارس خلالها جهات الإنتاج دعم نفسها بخيارات تشبه النقد في شكلها وتدمّره في جوهرها ونتائجها.