يستكمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اليوم جولته الآسيوية، التي بدأها هذا الشهر إلى ماليزيا وإندونيسيا وسلطنة بروناي، ويصل اليابان اليوم في جوله تقوده إلى الصين، وسيبحث الملك سلمان تعزيز العلاقات السعودية - اليابانية بعد الانفتاح الاقتصادي الكبير الذي تعيشه المملكة. ويؤكد مراقبون أن الزيارة الآسيوية لخادم الحرمين، ستعزز الشراكة الاستراتيجية القوية التي تجمع الرياض بآسيا، وستبني مزيداً من التحالفات مع القوى الاقتصادية الصاعدة في القارة، كما تعطي زخماً لقوة ومتانة السياسة السعودية بعد النجاح الذي حققته في القارة الأفريقية في الأعوام الماضية، ومواجهة المد الإيراني في المنطقة. وكان الديوان الملكي السعودي أعلن الشهر الماضي أنه رغبة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في تعزيز وتطوير علاقات المملكة في المجالات كافة مع الدول الشقيقة والصديقة، واستجابة للدعوات الموجهة لمقامه الكريم، يقوم بزيارة ماليزيا، وإندونيسيا، وسلطنة بروناي دار السلام، واليابان، والصين الشعبية، والمالديف، والأردن، ويلتقي خلالها قادة تلك الدول لبحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. العلاقات بين الرياضوطوكيو تشهد العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية واليابان نقلة نوعية وتطوراً مدهشاً ونمواً مضطرداً وتعاوناً لافتاً على مدى 60 عاماً شملت جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والتعليمية والصحية. ونتيجةً للسياسات والمبادئ التي رسمتها ونصت عليها الاتفاقات الثنائية والمباحثات والزيارات المتبادلة بين المسؤولين في كلا البلدين فإن علاقتهما تعد «إحدى أهم العلاقات الدولية، إذ سادها الصدق والالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه، فالمملكة واليابان يتوافقان على رؤية مشتركة حيال القضايا الراهنة في المنطقة وذلك انطلاقاً من الفهم المشترك بأن تعاونهما يمثل أهمية كبيرة من أجل الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي بصفة عامة». وجاءت مواقف البلدين متطابقة في عدد من القضايا، وعلى وجه الخصوص التأييد الياباني لعملية عاصفة الحزم التي جاءت تلبية لنداء الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لإعادة الشرعية في اليمن، وحماية الشعب اليمني من البطش الحوثي، وكذلك الاتفاق على إنقاذ الوضع المأساوي في سورية، والتزام البلدين بتحقيق السلام والعدل الدائم والشامل في الشرق الأوسط وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، وإدانتهما الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، ورغبتهما في تعزيز الحوار الأمني ليشمل الأوضاع الإقليمية، والأمن البحري، وأمن خطوط الملاحة البحرية والقرصنة، وحظر الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، والمساعدات الإنسانية والإغاثة. وجاءت زيارة الأمير سلمان بن عبدالعزيز - ولي العهد آنذاك - لليابان عام 2014 لتوثيق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين على مدى ال60 عاماً الماضية. ومنح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال الزيارة شهادة الدكتوراه الفخرية في الحقوق من جامعة (واسيدا) إحدى أعرق الجامعات اليابانية، تقديراً لإسهاماته البارزة في المملكة والعالم. وألقى خادم الحرمين الشريفين كلمة بهذه المناسبة مخاطباً منسوبي جامعة (واسيدا) قال فيها: «إنني أدعوكم للاقتراب منا أكثر. الاقتراب من ثقافتنا الإسلامية والعربية، فلدينا الكثير مما نود اطلاعكم عليه، لتكتشفوا الكثير من المبادئ والتعاليم والقيم التي نشترك فيها معاً. نحتاج لمن هم في علمكم، وإلى مثلكم لفهم ثقافتنا». وأضاف: «إنني أشكركم على منحي شهادة الدكتوراه الفخرية من هذه الجامعة العريقة، وهو مما أعتز به، لكنني أعتبره تكريماً للسعوديين كافة». شراكات متواصلة وعلاقات ممتازة من جهته، قال رئيس جامعة (واسيدا) الدكتور كاورو كاماتا إن الأمير سلمان بن عبدالعزيز معروف بحنكته السياسية وثقافته الثرية وإنجازاته الكبرى التي أسهمت بشكل محوري في تطور المملكة على الصعيدين الدولي والمحلي، وحصوله على عدد كبير من الأوسمة وشهادات الدكتوراه الفخرية يعد اعترافاً بجهوده الحثيثة لإغاثة الفقراء ومنكوبي الكوارث الطبيعية في أنحاء متفرقة من العالم. وتحتفظ اليابان - بحسب ما قاله رئيس الوزراء شينزو آبي - مع دول الشرق الأوسط بعلاقات ممتازة، مؤكداً أن بلاده صديق قديم للعالم العربي ويسعى لبناء شراكة شاملة مع دول الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، التي قال إنها شريك مهم للغاية لأمن الطاقة في اليابان. وخلال زيارته للمملكة عام 2013 ألقى رئيس الوزراء الياباني خطاباً شمل ثلاث عبارات أساسية شخصت العلاقات الثنائية بين البلدين وهي: التعايش، والتعاون، والتسامح، وقال إن التعايش يشير إلى الشراكة بين المملكة واليابان المبنية على المصالح المشتركة والعمل على تعايش مزدهر على رغم التحديات السياسية والاقتصادية، وأما التعاون فيعتمد على التنسيق في العمل السياسي بما في ذلك مواقف اليابان من القضايا العربية، فيما أشار إلى أن التسامح يعد مبدأً أساسياً لإنجاح التبادل بين الخبراء والطلاب بين البلدين والشعبين. أول اتصالات السعودية واليابان وبدأت الاتصالات الرسمية بين المملكة واليابان كأول اتصال رسمي عام 1938 عندما زار مبعوث الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حافظ وهبة اليابان لحضور افتتاح مسجد طوكيو، فيما زار المبعوث الياباني لدى مصر ماسايوكي يوكوياما المملكة عام 1939 للمرة الأولى كمسؤول ياباني التقى خلالها بالملك عبدالعزيز، رحمه، الله في الرياض. وتطورت العلاقة بين البلدين الصديقين بعد الحرب العالمية الثانية بعد إرسال أول وفد اقتصادي ياباني للمملكة عام 1953، وإقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين عام 1955 في الوقت الذي منحت فيه المملكة حق امتياز التنقيب عن النفط لشركة يابانية هي (شركة الزيت العربية) والاستخراج الناجح للنفط واحد من العلاقات المميزة بينهما في العلاقة، حيث جرى توقيع اتفاق الامتياز في كانون الأول (ديسمبر) 1957 وجرى اكتشاف تجريبي للنفط في كانون الثاني (يناير) عام 1960. وبدأت الزيارات المتبادلة للشخصيات رفيعة المستوى عندما قام الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بزيارة لليابان عام 1960 حين كان يشغل منصب وزير المواصلات، وعززت زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - لليابان عام 1971 الصداقة بشكل كبير بين البلدين ثم ازدادت الزيارات للشخصيات المهمة بين البلدين بعد الأزمة النفطية عام 1973، وتوطدت أواصر العلاقات بين البلدين من خلال هذه الزيارات، إذ قام ولي عهد اليابان الأمير أكيهيتو وولية العهد الأميرة ميتشيكو، وهما إمبراطور وإمبراطورة اليابان حالياً، بزيارة للمملكة عام 1981، وحضر الأمير نواف بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، مراسم تتويج الإمبراطور نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، عام 1990، وقام ولي عهد اليابان الأمير ناروهيتو وولية العهد الأميرة ماساكو بزيارة للمملكة عام 1994. حرص على زيادة التعاون بين البلدين حرص البلدان على زيادة التعاون خلال العقود الماضية، إذ قام رئيس وزراء اليابان ريوتارو هاشيموتو وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، بصياغة الشراكة الشاملة نحو القرن ال21 خلال زيارته الأولى للمملكة عام 1997، ومن ثم زار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، عندما كان ولياً للعهد، اليابان عام 1998 ووقع (أجندة التعاون السعودي الياباني) مع رئيس الوزراء السابق كييزو أوبوتشي، وزار وزير الخارجية الياباني يوهي كونو المملكة عام 2001 وأعلن خلالها مبادراته في ثلاثة مجالات، وهي تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي، وتطوير مصادر المياه، والحوار السياسي الواسع المتعدد. كما أسهمت زيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، عام 2006 لليابان في دعم العلاقات الثنائية، حيث وقع مذكرة تفاهم لدعم المشاورات بين البلدين في مختلف القضايا، وتبرع بمبلغ 500 ألف دولار لجمعية الصداقة السعودية - اليابانية. وتؤكد لقاءات القمة المتعاقبة ولقاءات كبار المسؤولين والعديد من الاتفاقات واللجان وغيرها، وبخاصة اللجنة الوزارية السعودية - اليابانية المشتركة، حرص حكومتي البلدين على بناء شراكة حقيقية لا تستثني أي نشاط، وأن يكون التعاون شاملاً وملبياً لمصالح شعبي البلدين. وشكلت المملكة العربية السعودية ودولة اليابان أنموذجاً للعلاقات الدولية من خلال ما يربطهما من تعاون وثيق أبدى خلالها الجانبان رضاهما العميق عن التطورات الكبيرة في علاقاتهما الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وتطلعهما نحو تعزيز الشراكة الكاملة بينهما في المجالات كافة بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين. ففي المجال الثقافي وإيماناً من حكومتي البلدين الصديقين بتنمية الإنسان الذي هو محور التنمية سواء في الداخل أم على مستوى التطور الحضاري والعلمي والثقافي تأتي العلاقات الثنائية والتعاون في المجال الثقافي لتعكس الروابط التاريخية بينهما وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال زيارته لليابان عندما كان ولياً للعهد، حيث أكد أن تجربة اليابان مثيرة للإعجاب ومسيرتها ملهمة للدول في سعيها للتنمية والتقدم. ومن هذا المنطلق فالمملكة واليابان تربطهما اتفاقات عدة تهدف إلى تعزيز التواصل الثقافي والعلمي، أبرزها مذكرة تعاون بين وزارة التعليم في المملكة ووزارة التعليم والعلوم والثقافة والرياضة والتكنولوجيا اليابانية عام 2010 التي كانت بدورها من محفزات التبادل العلمي والمعرفي بين البلدين، التي تهدف إلى دعم العلاقات العلمية والتعليمية وتشجيعها بين الجامعات والمؤسسات الأكاديمية ومؤسسات البحث العلمي في كلا البلدين. كما نصت على تشجيع الطرفين على تبادل أعضاء هيئة التدريس والباحثين وتدريب العاملين والكوادر البشرية في مؤسسات التعليم العالي في البلدين، إضافة إلى تبادل المعلومات والدراسات الجامعية والمؤهلات الأخرى والمشاركة في اللقاءات والندوات وورش العمل العلمية والتعليمية التي تقام في البلدين.