بريطاني على قطع أثرية نادرة في محافظة «البرك»، أثناء إجراء عمليات تنقيب أثرية أخيراً. فيما اكتشف 14 نقشاً على قطع حجرية، بحسب دراسة أستاذ التاريخ والآثار في جامعة الملك سعود الدكتور سعيد السعيد. وأوضح رئيس الفريق السعودي - البريطاني للتنقيب عن آثار ما قبل التاريخ في سواحل عسير الدكتور ضيف الله العتيبي، أن «الفريق أجرى مسحاً لجزيرة فرسان والسواحل الجنوبية الغربية للمملكة، وكان نطاق العمل هذا العام في موقع دبسا في المحافظة في منطقة عسير الذي يعود لفترة ما قبل التاريخ». وأفاد العتيبي في تصريح لوكالة الأنباء السعودية (واس) بأن «فريق التنقيب استكمل عمله في دبسا الأثري بجمع المعثورات الأثرية ميدانياً، ثم فحصها ودرسها وتصنيفها وتدوين الملاحظات حولها في متحف عسير»، مضيفاً أنه «دونت ملاحظات مثيرة للاهتمام حول الظواهر الأثرية والطبيعة الجيولوجية لموقع دبسا، واطلع أمير منطقة عسير فيصل بن خالد على نتائج العمل هذا العام». وتبرز في البِرك معالم عدة ونقوش تاريخية تؤكد عراقة المكان وأهميته التاريخية والاقتصادية لوسط شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين، ومن أهما «جبل العش» الذي يطلق عليه باللهجة المحلية «جبل أم عش»، الذي يحوي نقوشاً تاريخية مكتوبة بخط «المسند» القديم. وبحسب دراسة السعيد المنشورة بعنوان «نقوش عربية جنوبية قديمة من البرك»، فقد أشار فيها إلى اكتشاف 14 نقشاً على قطع حجرية في سفح وقمة الجبل الجنوبية، إضافة إلى نقوش في الجهة الشمالية من الجبل. وقال الأكاديمي إن الدراسة «كشفت مجموعة من المحاجر التي ربما استغلت أحجارها في أغراض التعدين، فيما بني في الجزء الجنوبي الغربي من الجبل مسجد من الحجارة، يصل ارتفاع أسواره إلى حوالى المتر، وتقوم حوله دوائر حجرية بنيت على سفح الجبل، ولعلها كانت تستخدم لحجر المواشي آنذاك». ويصف السعيد في دراسته تلك النقوش بالقول: «تفنن الكاتب في غالبية هذه النصوص، فالخط المستخدم احتوى فضلاً عن جماله وتناسق حروفه على ملامح زخرفية في بعض أشكال حروفه، ولعل جمال الخط المستخدم ودرجة الإتقان في رسم حروفه يقودانا إلى القول بأن كُتاب هذه النصوص لم يدونوها على عجل من أمرهم كما هو الشأن في كتابات نواجهها أحياناً على الصخور وسفوح الجبال، بل الحال في نصوص هذه المجموعة مغايرة إلى حد ما». ورجح أن «معاني تلك النقوش تعود لمسميات أشخاص ذوي مكانة مجتمعية رفيعة أو يحملون علاوة على أسمائهم ألقاباً وصفات تميزهم في مجتمعهم»، مضيفاً أن «بعض من جاء ذكرهم في هذه النقوش نعتوا بأنهم ذوو مناصب دينية، أو إدارية». ويلفت نظر الزائر إلى البرك سورها الأثري الذي يعد معلماً تاريخياً مهماً ما زال يقاوم الزمن حتى الآن، والتوسع العمراني الذي أثر في بعض أجزائه، على رغم وجود اللوحات التحذيرية بعدم مساس الموقع وتبعيته للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. وقال الباحث المتخصص في تاريخ «البرك» عبدالرحمن آل عبده إن «السور يقع وسط البرك، وتحيط به قلاع شيدت في أوائل العام 629ه، وأعيد ترميمه في العام 704ه، ثم توالت الترميمات له والإضافات لعقود عدة متتالية»، واصفاً موقع السور بالاستراتيجي. وذكر أن «القادم من الجهة الشمالية لمدينة البرك سيشاهد بوضوح الجانب الشمالي من السور الشهير الذي يمتد من الغرب إلى الشرق ويقع ما بين مبنى المحافظة حالياً ومبنى حرس الحدود على أرض مرتفعة عن سطح البحر بحوالى 20 متراً، ويشاهد كذلك الحاميات من البحر إلى الركن الشرقي الشمالي المطل على زاوية انحدار مصب وادي البرك». وأضاف عبده أن «في هذا الجزء توجد البوابة الرئيسة الشمالية وعلى جانبها بقايا غرف يعتقد أنها كانت للحراسات والتفتيش والمراقبة، أو للتحصيل ودفع الرسوم الجمركية للقادمين من طريق البر، وتوجد عند حافة السور من الجهة الشمالية مباشرة بحيرة تسمى الشراعة، لعلها استغلت قديماً شركاً من الأشراك الطبيعية لعرقلة من يحاول اقتحام السور ومناطق الحراسات، وهي متصلة بالبحر». وأشار إلى وجود فتحات المراقبة والرماية في السور، والتي تظهر منها 92 فتحة، إضافة إلى خمس غرف حاميات للحراسة دائرية الشكل، إضافة إلى حامية في الجهة الجنوبية تسمى المحصنة، وهي غرفه دائرية الشكل بها أربع نوافذ كانت تستخدم للمراقبة». ويروي آل عبده حديثاً عن كبار السن عن «وجود ممرات قديمة كانت تعبر من تحت السور الأثري، لتربط بين شاطئ البحر الأحمر وبئر المجدور التي كان الصيادون يجلبون مياه الشرب عبر تلك الأنفاق الأرضية لتزويد مراكبهم للإبحار بها». وأشار إلى قصور تاريخية وحصون أثرية تعتبر من أبرز المعالم التاريخية في البرك، ومنها الحصن الأثري الذي يطل على مصب وادي ذهبان، ويبعد مسافة 15 كيلومتراً جنوباً، ولا تزال بقايا آثاره من الناحية الشرقية واضحة للزائر، ويبدو أنه كان أكثر من طابق وطرازه وأسلوب بنائه يشبه إلى حد كبير أسلوب بناء سور البرك وحامياته، لافتاً إلى أن موقعه يشرف على بساتين النخيل والمرفأ والطريق البرى لمرور الحجاج والتجارة ودفن الجزء الغربي منه بسبب الرمال الزاحفة. وتحتفظ «البِرك» بإرث حضاري يعود إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين، إضافة إلى معالم تاريخية رسمها سورها الشهير الذي يعود تاريخ إنشائه إلى أكثر من 800 عام، فضلاً عما رواه الكثير من المؤرخين والجغرافيين من أن «البِرك» هي «بِرك الغماد» المذكورة في المصادر وكتب التراث العربية. ويعد مسجد الخليفة أبوبكر الصديق من أبرز المعالم التاريخية فيها، وتبلغ مساحته 90 متراً مربعاً، ويبعد عن الطريق الدولي حوالى 300 متر، ويشير آل عبده إلى أن بناء المسجد يعود تاريخه إلى عهد الخليفة الصدّيق، وتوجد بالقرب من المسجد بئر «المجدور» التاريخية التي يبلغ عمقها تسعة أمتار، بعرض لا يتجاوز المترين، وتعد المصدر الرئيس للمياه الصالحة للشرب في البرك، على رغم قربها من البحر الأحمر، والمصدر المهم لري الحدائق والأشجار في الطرقات الرئيسة.