يحرص «متشددون» على تصدر المحافل الثقافية في السعودية سنوياً، وخصوصاً معرض الرياض الدولي للكتاب، عبر قصص «مثيرة» يفتعلونها اعتراضاً على كتب، أو على اختلاط، أو على نشاط وهو ما حدث أمس عبر مشهد جديد تصدره «محتسب» على غرار أقرانه حين تهجم على عرض للفولكلور الماليزي، قائلاً: «هذا لا يرضاه الله ولا رسوله، ولا الرجال، ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده»، ثم قام برمي «المايكروفون» فيما صرخت امرأة باللغة الإنكليزية: «نحن ضيوف شرف يجب أن لا يعاملنا بهذه الطريقة». (للمزيد). وقال المتحدث باسم وزارة الإعلام هاني الغفيلي ل«الحياة»: «بالفعل حدث اعتراض فردي من أحد الحضور على مشاركة الفولكلورالماليزي وهو الدولة الضيف في جناحها وتم التعامل مع الحدث بصورة سريعة جداً». واعتاد «المحتسبون» التلويح ب«لواء الفضيلة» أمام زوار المعرض ومنظميه، لتبرير مصادرة كتاب، أو الترصد إلى الزائرات بدعوى «الحفاظ على عدم الاختلاط» حتى أضحى وجود المحتسبين مشهداً متكرراً في نسخ المعرض الذي أصبح من وجهة نظر أحد الكتاب «تظاهرة للثقافة والاحتساب معاً»، وتحولت رسالته إلى «التعايش مع المحتسبين». وتكررت «غزوات المحتسبين» للمحفل الثقافي الأهم في السعودية، وأصبحت حدثاً أساسياً ينتظره المتابعون سنوياً، فلا يخلو من إثارة تشتعل بها مواقع التواصل الاجتماعي، ودافعاً إلى زيارة المعرض في حد ذاته بالنسبة إلى كثيرين اعتبروا الدورة التي لا يرافقها ضجيج المحتسبين «لا تدعو إلى الاهتمام». وأبرز «غزوات المحتسبين» كانت بعد افتتاح المعرض في العام 2011، حين اقتحمه 30 منهم وأشاعوا الفوضى فيه، بعدما تهجموا على وزير الثقافة والإعلام الأسبق عبدالعزيز خوجة أثناء زيارته، واستوقفوه أربع مرات، تعرضوا إليه بألفاظ «نابية»، وصاح أحدهم قائلاً له: «ما يعرض بوسائل الإعلام في ذمتك»، مدعياً نشر كتب تحمل «أفكاراً كفرية»، وبادره آخر بالقول: «أنت لا تستحي»، واكتفى الوزير بالقول: «شكراً، جزاك الله خيراً». وتطورت المشادة آنذاك إلى اشتباك بين «المتشددين» ورجال الأمن الذين أخرجوهم من المعرض، فيما قبض على ثلاثة منهم، ما أدى إلى تجمع «المتشددين» خارج المعرض، مهددين بأن ما سيحدث في اليوم التالي «سيكون أعظم». وشهدت النسخة نفسها إجبار «محتسبين» الشاعرة الإيرانية فاطمة محمدي على ارتداء العباءة الخليجية في المعرض، على رغم ارتدائها حجاباً، لكن ظهور خصلات من شعرها أغضبهم، وطالبوها بتغطية وجهها كاملاً. ووجه الوزير خوجة يومها رسالة إلى «المتشددين» عبر تغريدة في حسابه على «تويتر» كتب فيها: «كل من له ملاحظة على معرض الكتاب، فليقدم شكواه إلى الجهات الرسمية المختصة الموجودة فيه، أما إثارة الفوضى ومضايقة الزوار والناشرين فمرفوض تماماً». وفي النسخة التالية للمعرض أطلق «محتسبون» دعوات على مواقع التواصل لمقاطعته، بحجة «عرض كتب تشجع على تحرير المرأة والاختلاط»، ووصفها أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل بأنها «دعوة من حاقدين وحاسدين»، مشدداً على أنه «لا يمكن لأي إنسان مثقف أو من يريد الخير لوطنه أن يقاطع هذا المعرض أو يدعو إلى مقاطعته». وإثر دعوات «محتسبين» لمقاطعة محاضرة الكاتبة بدرية البشر في المعرض، دعتهم الأخيرة في مقالة نشرتها «الحياة» إلى مقاطعته، مؤكدة أن تلك الدعوات أعطت للمعرض شهرة أكبر من أية دعاية تجارية، وكتبت: «أرجوكم قاطعوه أنتم. نريده معرضاً لا يدلفه إلا المهتمون بالكتب والقراء المشترون، بدلاً من أن يصبح مهرجاناً للنميمة والمخاصمات». وتكررت دعوات المقاطعة في نسخة العام 2013، ولكن من خلال نساء وزعن حلوى مغلفة بمطويات ورقية صغيرة تحث على «مقاطعة المعرض ونصرة الدين ورفضاً لاتفاقات دولية في شأن المرأة»، تضمنت عناوين مثل «كلنا محتسب»، و«الاحتساب في معرض الكتاب»، ما أثار استغراب الزوار، وصفته إحداهن ب«تدخل سافر من محتسبات وفي مكان مثل معرض الكتاب يدعو إلى الثقافة والحوار، وليس إلى التطرف والاحتساب»، أوقفت الشرطة يومها عدداً منهن. وتكررت مضايقات «المحتسبين» لزوار المعرض، ففي نسخة العام 2014، اقتحم عدد منهم الإيوان الثقافي في أحد الفنادق الكبرى، عندما رأوا كاتبة دنماركية تجلس في القسم المخصص للنساء، وطلبوا منها تغطية وجهها، لتنسحب الكاتبة التي كانت في زيارة قصيرة إلى السعودية. وأدت مضايقات «أسود الحسبة» كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم، لدور النشر إلى غياب بعضهم عن المعرض، مثل «دار الغاوون» التي احتج «محتسبون» على اسمها، على رغم اشتهارها بطباعة دواوين شعربة لشعراء عرب وسعوديين. وخلال الدورة ذاتها، هاجم «محتسبون» إحدى دور النشر العربية وطالبوا بمصادرة كتب ادعوا احتواءها «تجاوزات دينية»، ليشتبكوا مع رجال الأمن الذين أخرجوهم بالقوة، وأكد صاحب الدار آنذاك أن تلك الكتب عبارة عن «روايات وسير ذاتية مترجمة، وليس لها علاقة بالدين، وتتحدث عن التاريخ والأساطير». وتعود ذاكرة «معرض الكتاب» إلى تعرض الأستاذ في جامعة الملك سعود الدكتور معجب الزهراني إلى «عنف لفظي» من جانب «محتسبين» خلال وجوده في المعرض العام 2015 فيما لم تخل النسخة الأخيرة للمعرض من «غزوات»، بعدما قاطع «محتسبون» عرض أفلام سعودية صاحبها موسيقى تصويرية على مسرح المعرض، بالتكبير والصراخ والتذكير بالآخرة وعذاب النار، كما ندد «محتسبون» بعرض فيلم «سكراب» للفنانة سناء بكر يونس، بعدما أغضبهم وجود مشهد قيادة المرأة السيارة خلاله، وغادروا المسرح إثرها. وشهدت الأعوام الأخيرة مطالبات من مثقفين وعامة بالحد من تجاوزات «المحتسبين» داخل معرض الكتاب، خصوصاً المتطوعين منهم، وأكد خلالها رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق الشيخ عبداللطيف آل الشيخ، أن «المجتهدين داخل المعرض بالحسبة لا يعود أمرهم للهيئة بل لإدارة المعرض، وأن مسؤولية الهيئة تنحصر في أفرادها فقط»، موضحاً أن مصادرة الكتب تعود أيضاً إلى إدارة المعرض.