عندما تحرر عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي من السجن حيث أمضى 33 عاماً متواصلة، كان حلمه ان يعود الى الأرض ليعمل فيها، ويوصل الزمن الذي انقطع بينهما، لكن الأمر لم يدم طويلاً، فما هي الا أقل من ثلاث سنوات حتى أعادت السلطات الإسرائيلية اعتقاله، وحكمت عليه بالسجن المؤبد مجدداً. اعتقل البرغوثي (59 سنة) المرة الأولى عام 1978 عندما كان في التاسعة عشرة من عمره، وحكم عليه بالسجن المؤبد. وعام 2011، تحرر من الأسر في صفقة تبادل الأسرى التي حملت اسم «صفقة شاليت» نسبة الى اسم الجندي الإسرائيلي الذي أسر في غزة، ومبادلته بأكثر من 1400 اسير. وعام 2014، أعادت السلطات الإسرائيلية اعتقال البرغوثي، وهو من قرية كوبر قرب رام الله وسط الضفة الغربية، لتحكم عليه محكمة عسكرية اسرائيلية قبل ايام بأن يمضي حكمه الأول المؤبد، بحجة وجود ملف سري يثبت انه خرق شروط صفقه تبادل الأسرى، وهو الحكم الذي هزّ الشارع الفلسطيني الذي تابع باهتمام كبير فصول حياة هذا الأسير المليئة بالتراجيديا، اذ توفي والداه وهو في السجن، وتم اعتقال شقيقه الوحيد يوم الإفراج عنه، ولم يسمح له ان يعيش حياة الفلاح البسيط التي ارادها. وقالت زوجته ايمان التي تزوجها عقب تحرره من الأسر: «خرج نائل من الأسر بعد 33 عاماً وهو يحمل حلماً انسانياً بسيطاً هو ان يكوّن اسرة، ويعود الى الأرض ويعمل بها». وأضافت: «تزوجنا، نائل وأنا، وأخذ يكرس جل وقته للعمل في ارضه، والتحق بالجامعة المفتوحة لدراسة التاريخ». وتبدو انجازات نائل في ارضه ظاهرة للعيان، ويتحدث عنها اهل القرية بفخر كبير. ففي الفترة البسيطة التي تحرر فيها من الأسر، تمكن من عمل الكثير في ارضه المزروعة بالزيتون في اطراف القرية، فقام بشق طرق إليها، وأقام حولها السناسل، وغرس فيها المزيد من الأشجار، وحرث الأرض بيديه، ووزع السماد على الأشجار. وقالت ايمان: «كان يحمل السماد على ظهره، ويدور على الشجر، واحدة تلو الأخرى، كان متعطشاً للأرض والحياة». يتناقل اهالي قرية كوبر القصص الشيقة عن حياة البرغوثي الذي تواصل مع ادق تفاصيل الحياة في قريته من وراء قضبان السجن الذي أمضى فيه معظم حياته، ومنها انه يتذكر جميع اهل القرية، من دون استثناء، ويربط اسماء الأولاد وملامحهم بملامح آبائهم وأجدادهم «كأنه كان يعيش معنا لحظة بلحظة»، قال احد سكان القرية. وتقول عائلة نائل إنه حرص على الابتعاد عن الحياة العامة خشية قيام السلطات الإسرائيلية باستغلال اي حدث لإعادة اعتقاله. لكن السلطات أعادت اعتقال نائل في حزيران (يونيو) عام 2014، بعد 32 شهراً فقط من اطلاق سراحه، ضمن حملة اعتقال طاولت مئات الفلسطينيين عقب خطف ثلاثة مستوطنين وقتلهم جنوب الضفة، بينهم حوالى 60 من الأسرى المحررين في صفقة شاليت. وقال رئيس نادي الأسير قدورة فارس: «كان من الواضح ان الاعتقالات انتقامية، وهدفت الى الانتقام من الشعب الفلسطيني اولاً، وإرضاء الرأي العام الإسرائيلي ثانياً». وأضاف: «لم تجد السلطات الإسرائيلية سبباً قانونياً لإعادة اعتقال البرغوثي، فوجهت اليه تهمتين، الأولى انه ألقى محاضرة في جامعة بيرزيت، والثانية ان حركة حماس رشحته لتولى وزارة شؤون الأسرى في حكومة الوحدة الوطنية اثناء حوار وطني». وقال فارس: «من الواضح انه لا يوجد سبب لإعادة اعتقاله وزجه في السجن بقية الحياة سوى الانتقام وليس غير الانتقام». وقضت المحكمة العسكرية بسجن البرغوثي 30 شهراً، لكن بعد ان كان امضى هذه المدة خلال سجنه الأول، مددت اعتقاله وأحالته على المحاكمة وحكمت عليه بإعادة حكمه الأول الصادر عام 1978 والذي يقضي بسجنه المؤبد. وقال فارس ان النيابة، التي تمثل سلطات الاحتلال، لم تجد ما تقدمه ضد البرغوثي، فاكتفت بالادعاء أن لديها ملفاً سرياً ضده. زوجة نائل وعدد من المؤسسات التي تعنى بشؤون الأسرى يقودون حملة شعبية لإظهار ظلم القضاء الإسرائيلي وللمطالبة بإطلاق سراحه. وقالت ايمان: «يجب ان نسمع صوتنا لكل العالم، يجب على كل المؤسسات القانونية والإنسانية الدولية ان تتحرك لنصرته». وأضافت: «نائل تحرر من السجن وأراد ان يعيش فلاحاً بسيطاً في ارضه، لكن سلطات الاحتلال حرمته حتى من هذه الحياة البسيطة».