تطورت الرواية السعودية في السنوات الأخيرة، وراحت تأخذ مكانتها في المشهد الروائي العربي، ومع ذلك هناك من لا يزال قلقاً حيال مستقبل هذا الفن، الذي أقبل عليه عدد من المهتمين كتابة وقراءة، فكيف يمكن للروائيين والروائيات أنفسهم استشراف الرواية السعودية في السنوات العشر المقبلة؟ في هذا الاستطلاع ل«الحياة» يتحدث عدد من الكتَّاب والكاتبات عن الرواية وأحوالها: عادل الحوشان: رداءة الحال الروائية تقييم التجربة السعودية أصبح خاضعاً في السنوات الأخيرة لنجومية الفرد لا لأهمية العمل وقيمته، قبلها، أي قبل السنوات العشر الأخيرة، وقبل انتشار وسائل التسويق «الاجتماعي» لا الأدبي ولا الفني، وغياب المؤسسات الثقافية المدنية، وخضوعنا لوسائل التسويق الاجتماعي بامتياز. يضاف إلى ذلك غياب التجربة النقدية بالكامل، وعدم نضوج الجوائز الأدبية المحلية، وربطها بمؤسسات حكومية مثل الأندية الأدبية، كل هذه الأسباب ساهمت في رداءة الحال برمتها، واتسعت التجربة وكثرت الكتابة كظاهرة اجتماعية لا فنية أدبية، سهولة الانتشار عبر الوسائط، استسهال الكتابة وجاذبية الرواية كجنس أدبي ...إلخ. مستقبل الرواية السعودية في ظل كل ذلك سيكون خاضعاً للحال نفسها إن لم يزدد سوءاً. الرواية التي كنا ننتظرها سابقاً بشغف لم تعد موجودة، لا أعني بهذا أنني ضد تجربة الكتابة وتنوعها، الكتابة بشكلها العام، لكنني ضد ترويج أي قصة أو حكاية أو تجربة على حساب هذا الجنس الأدبي العظيم. وعلى رغم كل ملابسات الجوائز الأدبية العربية وما يصاحبها، إلا أنها أصبحت هي «سبّابة» القيمة الأدبية للأعمال الروائية الجديدة سواء محلياً أم عربياً. لست مع هذا ولا ضد ذاك، أنا مع تسريع عجلة الدوران، للقضاء على ما تبقى من الظاهرة حتى نهايتها إذا قدّر لها من نهاية. ولن يحدث ذلك حتى تتخلص الثقافة والأدب والفنون من سلطة المؤسسة الرسمية، لتصبح لدينا مؤسسات مجتمع مدني ثقافية قادرة على نفض الغبار الكثيف الذي أثارته السنوات العشر الأخيرة، من أجل عشر سنوات مقبلة قد تحمل لنا جنيناً ملهماً يعوّض الأجنة المتلاصقة والمتشابهة كاتب وناشر. أميمة الخميس: بعض مخاوفنا لا نستطيع أن نخضع مادة الفنون لجداول الاستراتيجيات والتحليلات البيانية، فهي ذات مادة متحولة متقلبة دائمة التشكل، بل إن التشكل والتبدل هو جزء من العملية الإبداعية القائمة على كسر النمط... لكن قد نستطيع أن نجاهر ببعض مخاوفنا، أو نعلن أمانينا حولها، عبر الحدس والتخمين، ستنحو الرواية المحلية باتجاه المزيد من النضج الفني، وتنفك من أدوار منشور التمرد الاجتماعي، ستظهر المزيد من التجارب المدهشة الجامحة، التي ستلفت الانتباه، ستدخل على الخط جيوش من كتاب السيناريو، الذين سيوظفون مادة الرواية الخام لخدمة ثقافة الصورة، ستظهر حالة ارتداد فني وأدبي، باتجاه المعمار الكلاسيكي المهيب في الرواية، محاولة أن تستثمر التاريخ في تفسير وتبرير الواقع، ستتبلور الرواية المحلية والخليجية عموماً، عن خصوصية فنية، تجعل لها شخصية فنية مميزة على مستوى العالم العربي. روائية وكاتبة. سالمة الموشي: تطور متسارع تصاعد الحضور الروائي السعودي خلال العقدين الماضيين تصاعداً ملحوظاً، واستقطب اهتمام النقاد والمهتمين والقراء على حدِ سواء، كما تنوعت الرواية المحلية وتعددت تياراتها، وصيغ خطابها، وتوافرت وتقاربت كل الإمكانات والطرق التي سهلت لها الانتشار والظهور. وبهذا ظهرت الرواية متجاوزة الكثير من الفنون الأدبية الأخرى، لتحتل الصدارة لدى المتلقي، وفاقت العناوين الروائية المتوقع، وظهر الخطاب الروائي بسياقات متعددة، ما بين مضامين بسيطة وأخرى تلامس أبعاداً ممكنة ومتاحة، وهو أمر عائد إلى المنطلقات التي ينطلق منها الروائيون السعوديون، التي تتفاوت ما بين مرحلة وأخرى. الرواية السعودية ليست مجرد نتاج أدبي بشكل ما، بل هي بمثابة خطاب لمقاربة الواقع المعاش على كل المستويات الفكرية والاجتماعية، فهي تأخذ منه، وتتجسّد من خلاله، وتتقاطع مع الأحداث في هيئة محكي روائي. النصوص الروائية الحالية ليست هي ما ستكون عليه في السنوات العشر المقبلة بالتأكيد، وهو ما تفرضه حتمية التغيير، بل ستكون امتداداً مستقبلياً لإنتاج نصوص روائية متغيرة تتقاطع مع المستقبل، متجاوزة الماضي والافتراضات. وهذا ما يجب أن تكون عليه الرواية، باعتبارها نصاً يسمح بالتجاوز والقفز في دائرة الزمان والمكان. إن كل هذه المنطلقات عن حركة الرواية السعودية تعطي مؤشراً حقيقياً لتحولات الرواية ومسارها القادم، ومن هذا المنطلق فإن الرواية السعودية تتجه في تطور متسارع مدفوعة بسياقات معرفية وتاريخية واجتماعية وسياسية، لتخوض أدواراً أكثر تنويراً وأعمق تأثيراً في حركة الأدب الروائي في السعودية. إن السنوات المقبلة ستكون امتداداً حتمياً لمرحلة التألق الروائي الكمي بشكل ما، الذي انطلق في بداية الثمانينات، وهي مرحلة انتشار واسع للرواية السعودية، وإن كان كمياً على حساب النوعية والقيمة الفكرية، إلا أنه يحسب كمرحلة إيجابية مؤثرة لا يمكن إنكارها، إذ شكلت مرحلة مهمة ونقلة حركية في الحضور الروائي، وهو ما سيأخذ الرواية إلى تحولات جادة وعميقة، لتتقدم الرواية السعودية في خطوات واثقة بعيداً عن الكتابة لمجرد الحضور، إذ إن المعطيات الحالية تنبئ بظهور الرواية التي تحمل حضوراً ورسالة ورؤية، بل ستكون على مستوى متقدم فنياً وأدبياً على المستوى النوعي. كاتبة وروائية.