نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قلب صورته رأساً على عقب بخطاب في الكونغرس أمس، وصفه خبراء ب «البارع»، إذ صاحبته نبرة هادئة وغير تصادمية، تنذر ببداية جديدة له في الحكم بعد 40 يوماً من العثرات والتخبط في إدارته (للمزيد). واستتبع ترامب الخطاب باجتماعات مع قيادات الكونغرس، لتحريك أجندته الاشتراعية الطموحة حول الضرائب والهجرة والضمان الصحي والموازنة الجديدة، فيما أجّل البيت الأبيض إصدار القرار التنفيذي الثاني حول الهجرة وحظر السفر إلى نهاية الأسبوع، في ظل معلومات عن استثناء العراق من الإجراءات. واعترفت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن ترامب لعب دور «الاستعراضي البارع» الذي اقتنص لحظة مناسبة لتغيير نبرته، بعد تعثرات الأسابيع الخمسة الأولى، وغيّر أسلوبه في مخاطبة الأميركيين عموماً، وخصومه الديموقراطيين خصوصاً. وغابت عن الخطاب لهجة التحدي والشعبوية التي رافقت حملته الانتخابية وخطاب التنصيب، على رغم التمسك بالخطط ذاتها، مع دعوة الديموقراطيين للتعاون في مشاريع إصلاح نظام الهجرة والتخلص من قانون «أوباما كير» للضمان الصحي. كما وعد ترامب ب «تدمير داعش وإنهائه ومحوه عن وجه الأرض». وقال الرئيس الأميركي: «سنعمل مع حلفائنا في العالم الإسلامي لاجتثاث داعش والإرهاب من على وجه الأرض». وتحدث عن رؤيته إلى العلاقات التي تربط أميركا بحلفائها، وبدا تقليدياً وسطياً أكثر منه يمينياً، وأبدى استعداده للبحث عن شركاء جدد في العالم، قاصداً روسيا من دون أن يسميها. ونوه بالروابط مع إسرائيل، وقال إنه يدعم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والأواصر العميقة مع الشركاء خلال الحروب التي خاضتها الولاياتالمتحدة. وحض ترامب شركاء أميركا سواء في «الناتو» أو الشرق أوسطيين أو الآسيويين، على «الوفاء بالتزاماتهم»، عبر دفع مساهماتهم العادلة في تمويل العمليات العسكرية والاستراتيجية، أو لعب دور في تلك العمليات. وقال: «نتوقع بذل المزيد من الجهود في مجال التعاون العسكري». وأكد ترامب أن الولاياتالمتحدة ستحترم المؤسسات التاريخية، لكنها أيضاً ستحترم سيادة الدول، مشيراً إلى أن بلاده تسعى إلى شراكات وصداقات مع العالم، ولا تريد إشعال حروب. واستخدم عبارة «التطرف الإرهابي الإسلامي»، على عكس توصية مستشاره الجديد للأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر، الذي كان دعا إلى عبارة «التطرف العنيف». وذكر ترامب بأنه شدد العقوبات ضد إيران كأبرز إنجازات الشهر الأول من ولايته. وعلق ترامب على تعرض مراكز يهودية لأكثر من مئة تهديد منذ بداية العام، وقال إن «أحدث التهديدات التي استهدفت المقابر اليهودية تذكرنا بأنه إذا كنا أمة منقسمة عندما يتعلق الأمر بالسياسة، فإننا بلد موحد في إدانة الكراهية والشر بكل أشكالهما». وأشار ترامب إلى تضرر بلاده نتيجة سياسة الحدود المفتوحة التي ساعدت في تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية. في الوقت ذاته، طُرحت تساؤلات عن كيفية تمويل أجندته الداخلية الضخمة من بناء جسور والتخلص من خطة الضمان الصحي وزيادة الموازنة الدفاعية، ومدى قدرته على كسب تعاون الديموقراطيين لتمرير قوانين لازمة لخطته. والتقى ترامب أمس، القيادتين الجمهورية والديموقراطية في الكونغرس للبحث في أجندة الحكم، فيما لوحظ تحوله إلى شخصية أكثر انضباطاً على مواقع التواصل الاجتماعي، متفادياً الهجوم والتغريدات العشوائية ضد خصومه. وسيحتاج ترامب إلى تعاون الكونغرس لتمرير الموازنة ومشاريع البنى التحتية الصيف المقبل، وهو يضع الديموقراطيين أمام خياري التعاون في قضايا اقتصادية أو التصادم لغايات انتخابية. وقال برادلي بليكمان وهو معاون سابق للرئيس جورج بوش الابن، إن ترامب بذل «كل ما في وسعه على نحو منفرد. وهو الآن في حاجة لإقرار مشاريع قوانين». ولفت بليكمان إلى أن ترامب في حاجة إلى الديموقراطيين، لكي يكوّن غالبية في حال معارضة الجمهوريين المحافظين لبعض اقترحاته الأكثر وسطية، مثل الإنفاق الضخم على البنية الأساسية والمحادثات في شأن إصلاح الهجرة. وكشف استطلاع ل «سي أن أن» أن 69 في المئة تلقوا خطاب ترامب في شكل إيجابي، ما دفع الإدارة إلى تأجيل إصدار القرار التنفيذي الثاني حول الهجرة حتى نهاية الأسبوع، كما قال نائب الرئيس مايك بنس. وكشفت وكالة «أسوشييتد برس» أن العراق لن يكون في اللائحة الجديدة للدول الممنوعة من الهجرة إلى الولاياتالمتحدة، فيما أكد بنس أن ترامب يدرس بإمعان التفاصيل، لتفادي خسارة أخرى أمام القضاء تحرجه شعبياً وتطيح القرار.