فرص واعدة ومنح وافرة وأنواع من الدعم والتشجيع توفّر للعالمات للمضي قدماً في أبحاثهن التي عادة تتعثر أو تتوقف، إما لقلة التمويل أو انعدامه. كثيرات يستطعن تخطّي أولى العقبات، يذاكرن وينجحن ويبدأن في وضع بصمة لهن في عالم البحث العلمي. لكن الصعوبات نصيب العلماء والصعوبات المضاعفة نصيب العالمات. ولأن العالم في حاجة إلى العلوم والعلوم في حاجة إلى المرأة، فقد مضى برنامج «لوريال- يونيسكو» نحو عامه ال19 وحظي بدعم من دول وحكومات ومساندتها، وليس فقط مؤسسات علمية ومراكز بحثية. البرنامج الهادف إلى ضمان تعزيز دور المرأة في العلوم وتشجيعها وتمثيلها تمثيلاً عادلاً في المناصب العلمية القيادية، حقق تقدماً كبيراً منذ انطلاقه، وأعلن هذا العام منظوراً جديداً إضافياً من شأنه أن يجذب مزيداً من العالمات العربيات في مجال العلوم. فبعد ما بلغ إجمالي الباحثات المكرّمات 2530 باحثة حتى العام الماضي، حازت منهن 2438 من 12 دولة على زمالة البرنامج، حصلت 92 باحثة منهن على درجة تكريم عليا لنجاحهن في مجالات علمية مختلفة. وقبل أيام أعلن القائمون على البرنامج في القاهرة عن تقديم فرص زمالة لثلاث باحثات عربيات حصلن على درجة الدكتوراه ويعملن في محافل علمية، إضافة إلى أربع منح أخرى للطالبات في مرحلة الدكتوراه. «الحياة» التقت مدرّسة قسم الميكروبيولوجيا والمناعة في كلية الصيدلة جامعة القاهرة الدكتورة نورتان عبد الوهاب، الحاصلة على زمالة البرنامج لأبحاثها في مجال المناعة الوراثية والأمراض المعدية. عبد الوهاب التي ينصب مجمل عملها في مجال فيروس التهاب الكبد الوبائي سي الذي أصاب حوالى 10 ملايين مصري، تقول: «على رغم توافر الدواء، إلا أن استجابة المرضى للعلاج تتفاوت من شخص إلى آخر، ما يعني أن الجينات الفردية أي المكوّنات الوراثية للمريض وعوامل أخرى تؤثّر في نتيجة العلاج. وهذا ما ينصب عليه البحث». تعمل عبد الوهاب على استحداث اختبار جيني يحدد مدى مناسبة العلاج للمرضى، بدلاً من الاعتماد على نهج التجربة والخطأ. والهدف النهائي هو تقديم علاج أكثر تخصصاً للمرضى وتقليل حجم المعاناة أو وقفها تماماً. ومن وقف معاناة المرضى إلى تحسين إنتاج محاصيل العلف الحيواني لينعكس إيجاباً على جودة الألبان واللحوم، وهو موضوع رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها أستاذة كلية الزراعة في جامعة الإسكندرية الدكتور هبة سلامة من إحدى الجامعات الألمانية، بعدما حازت على منحة من «الهيئة الألمانية للتبادل العلمي». وإضافة إلى لائحة طويلة من التكريمات والجوائز العلمية، حصلت سلامة على زمالة برنامج «لوريال – يونيسكو» لتستمر مسيرتها البحثية في مجال الزراعة. تلفت سلامة إلى أن المشكلة الرئيسة في مصر ليست في توافر الكوادر البشرية القادرة على البحث والإبداع، لكنها في قدرتها، لا سيما النساء منها على الاستمرار في هذا المجال. وتوضح: «العقبة الأولى هي نقص الإمكانات المادية، والثانية هي نقص التقنيات ما يؤخّر قدراتنا البحثية. لكن مثل هذه الجوائز والمنح تمكننا من اقتناء التقنيات ومن ثم الاستمرار في إجراء الأبحاث». وتضيف: «مشكلات عدة كانت تعتري طريق الباحثين والباحثات لكن الأجواء بدأت تتغيّر في أعقاب ثورة يناير، ولعل خير دليل على ذلك هو طريقة اختيار العمداء ورؤساء الجامعات. ويكفي أن رئيس جامعة الإسكندرية في وقت مضى كانت سيدة». سيدة أخرى لكن هذه المرة من المستشفى الذي يُعدّ نقطة ضوء هائلة في مجال العمل الأهلي، مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال. مديرة قسم البحوث الأساسية وعالمة الأحياء الجزيئية الدكتور شاهندة النجار هي إحدى الفائزات أيضاً في برنامج «لوريال»، تتحدث عن لائحة طويلة من الأبحاث في مجال سرطان الأطفال، لا سيما في مجال التفاعلات التي تحدث بين النظم المختلفة للخلية السرطانية، مؤكّدة أن «البحث العلمي وحده سيمكننا من تحسين نتائج علاجات المرضى ورفع نسب الشفاء». المدير العام ل «لوريال مصر» بنوا جوليا يذكّر أن الشركة قررت قبل 19 عاماً إطلاق البرنامج بالتعاون مع منظمة يونيسكو لدعم المرأة في مجال العلوم، ويشهد هذا العام إطلاق فعاليات البرنامج في المشرق العربي ومصر من القاهرة كرسالة قوية لتمكين المرأة العربية، لا سيما أنه عام المرأة في مصر. وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي الدكتور سحر نصر اعتبرت تمكين المرأة أساس نهوض الدول وتحقيق التنمية الشاملة، مؤكّدة أن مشاركة المرأة في القطاع الخاص والمشاريع الاستثمارية الكبرى من أهم أولويات الوزارة في المرحلة المقبلة. كما نبّه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي إلى أهمية تشجيع الأهل لبناتهن ودفعهن إلى دراسة العلوم في سن مبكرة لدفع مزيد من النساء في المجالات العلمية، لا سيما أن مصر غنية بالسيدات القادرات على خوض مجال العلوم المختلفة وأبحاثها. يذكر أن المنح الإقليمية لبلاد المشرق العربي ومصر، التي أطلقت في عام 2014 بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، تهدف إلى تقدير عالمات من لبنان والأردن وفلسطين والعراق وسورية ومصر وتكريمهن. ففي كل عام تختار خمس باحثات مميزات حائزات على درجة الدكتوراه وتمنح كل منهن مبلغ 10 آلاف يورو لمساعدتهن على إجراء البحوث في المجالات التي يخترنها. ومن هذا المنطلق يخلص جوليا إلى القول: «على رغم العقبات، يؤكّد برنامج المنح في المشرق العربي ومصر أن في إمكان الموهبة والشغف والعزم والجرأة أن تساهم في تغيير العالم».